العلم أساس بناء الأوطان ومحرك الحضارات

كتب:علي ناصر فلاحة
الدول التي تحقر العلم وتهمش التعليم وتحذفه من أولوياتها وتجعل منه شيئًا ثانويًا لن تبني وطنًا ولن ترسم مستقبلًا، مهما قالت ومهما باعت الأوهام لأتباعها. اعلم أن حضارة الشعوب لا تُبنى إلا بالعلم والتعليم. أما الطغاة فلا يستطيعون بناء إمبراطوريتهم إلا بتجهيل الشعوب وتغييبهم عن العالم.
إن تاريخ الأمم والشعوب شاهدٌ حيٌّ على أن العلم هو الشرارة الأولى التي تشعل جذوة التقدم والازدهار. فمنه تنبع الابتكارات التي تحل مشكلات البشرية، ومنه تتطور الصناعات التي تدفع عجلة الاقتصاد، وبه تُصاغ السياسات التي تضمن العدالة والرخاء. عندما تستثمر دولة ما في تعليم أبنائها، فإنها لا تستثمر في مجرد فصول دراسية أو شهادات جامعية، بل تستثمر في رأس المال البشري الذي لا ينضب، وفي العقول النيرة القادرة على التفكير النقدي، وحل المشكلات المعقدة، والمساهمة الفاعلة في بناء المجتمع.
فإن إهمال التعليم يمثل كارثة محققة. فالدول التي تتجاهل هذا الركن الأساسي تجد نفسها غارقة في مستنقعات التخلف والتبعية. يصبح شبابها بلا فرص حقيقية، وتصبح مجتمعاتها عاجزة عن مواكبة التطورات العالمية المتسارعة. وعندما تُهمش الجامعات ومراكز البحث العلمي، فإنها تفقد قدرتها على إنتاج المعرفة، وتتحول تدريجيًا إلى مستهلك للمعرفة المنتجة في دول أخرى، مما يعمق الفجوة الحضارية ويجعلها في ذيل الأمم المتقدمة.
إن الطغاة، على مر العصور، أدركوا جيدًا أن العلم نور يكشف زيفهم ويفضح ممارساتهم. لذلك، كان تجهيل الشعوب وتغييبهم عن الواقع من أهم الأدوات التي يعتمدون عليها للحفاظ على عروشهم. فالمواطن الجاهل أسهل في التوجيه والسيطرة، وأقل قدرة على التفكير المستقل، وبالتالي أبعد عن المطالبة بحقوقه أو السعي نحو التغيير. إنهم يبنون أسوار الجهل حول عقول أتباعهم ليضمنوا ولاءهم الأعمى، ويبيعونهم الأوهام ليظلوا حبيسي الظلام. ولكن هذا البناء الهش مصيره الانهيار حتمًا، لأن نور العلم لا بد أن يبدد ظلمات الجهل والتخلف.
إن الأمم التي تطمح إلى النهضة الحقيقية يجب أن تضع العلم والتعليم في صدارة أولوياتها الوطنية. عليها أن تستثمر بسخاء في جميع مراحله، من التعليم الأساسي إلى التعليم العالي والبحث العلمي. يجب أن تفتح أبواب المكتبات والمعامل، وأن تشجع الإبداع والابتكار، وأن تكرم العلماء والمفكرين. فالاستثمار في العقول هو الاستثمار الأكثر ربحية والأكثر استدامة، وهو الضمان الوحيد لبناء وطن قوي ومستقبل مشرق يعتمد على أبنائه الأكفاء والقادرين على رفع راية التقدم والازدهار.