يا ليتني خدّ فنان ..!

كتب: علي سيقلي
في بلادٍ أخرى، لا تشبه بلادنا ولا تقترب من ملامحها، قبلة على الخد كفيلة بأن تشعل ثورة الغيرة الوطنية.
يهبّ القوم شاهرين سيوف الطهر والفضيلة، يطردون الفنان الوسيم، ويغسلون عار خد الأرض بماء الطهر حتى لا تتكرر الفضيحة، لأن هذا الكائن الجميل تجرأ ودنس خدّ ابنتهم الصايعة بقبلة جهنمية.
في بلادنا “السداح مداح” لدينا فنانون من نوعٍ آخر، فنانون سياسيون يبدعون فينا بقبلات يومية على شكل صفعات اسمها، إنقطاع الكهرباء، شح المياه، ومذبحة الرواتب.
نظام تعذيبٍ متقن يتناوبون فيه على إذلالنا، فنصعّر لهم خدنا رغما عنا.
هؤلاء لا يكتفون بقبلة، بل يغتصبوننا بالخدمات الأساسية على رؤوس الأشهاد، ولزاما علينا أن نصمت، وإلا فالعقاب حاضر وجاهز.
هنا، يغارون فقط إن مسست كرامة أحدهم في منشور فيسبوك، وتثور ثائرتهم إن كتبت كلمة حق في وجه مسؤول فاسد.
يا ليتني خدّ فنان مشهور، أقلها كنت سأحظى بتغطية عاجلة، وحل ناجع لمعاناتي كلما احتجت بصيص ضوء أو قطرة ماء باردة، وكانوا ليعقدون مؤتمرا صحفيا لبحث مصيبتي.
يا ليتني خد فنان عربي، كنت سأحظى بكل الغيرة، بكل الشجب، بكل الحظر والمنع واللجان.
لكنني للأسف، مجرد خد مواطن جنوبي، يقبلونه بوعود كاذبة، ويهدرون كرامته بالخدمات الأساسية، ولا أحد يثور، ولا أحد يستحيي.
خدٌّ جنوبي مشقق من الجفاف، تمارس عليه كل الفنون القذرة، ولا أحد يسمعني أو يستجيب لي، إلا أنا.
في هذا البلد الكمين، لو قبلت أكتاف أحقر مسؤول، لنلت مكرمة عيدية ووظيفة تليق بكرامة أي مطبل محترف وبارع في العزف على أوتار النفاق.
هنا في هذا البلد بالذات، لا قبلة تهزهم،
ولا جفاف يحركهم، ولا غيرة تتحرك في دماءهم، نحن وحدنا نصرخ في صحراء صمتهم.
الله المستعان