قضية شعب الجنوب بين ضرورات الاستقرار ومتطلبات الشراكة العادلة

كتب :
عبدالكريم أحمد سعيد
تمر المنطقة بمرحلة دقيقة تتشابك فيها رهانات الأمن الإقليمي وتوازنات القوى المحلية مع مسار العملية السياسية في اليمن. وفي هذا السياق تبرز قضية شعب الجنوب باعتبارها عنصراً حاسماً لا يمكن تجاوزه في أي مقاربة تسعى إلى إحلال سلام مستدام. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، بصفته الممثل الشرعي لشعب الجنوب، أعاد في بيانه الأخير يوم أمس، التأكيد على أن تجاهل الحقوق المشروعة للجنوبيين أو الانتقاص منها لم يعد ممكناً، وأن أي شراكة لا تقوم على العدالة والالتزام المتبادل محكوم عليها بالفشل.
إن الممارسات التي أشار إليها البيان، في عرقلة صرف المرتبات وتعطيل تمكين الكوادر الجنوبية، إلى إبطاء تنفيذ اتفاق الرياض ومشاورات الرياض، لا تعكس فقط إشكاليات إجرائية، بل تمس جوهر الثقة السياسية التي قامت عليها الشراكة بين الأطراف اليمنية والجنوبية برعاية إقليمية ودولية. واستمرار هذه السياسات يقوض مسار السلام، ويعمق مناخ عدم الاستقرار، ويمنح القوى المتطرفة فرصاً إضافية للتمدد في فراغات الفوضى.
ولا تقف التحديات عند حدود السياسة والأمن، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي الذي أثقل كاهل المواطنين وفاقم أزماتهم اليومية. فحرمان الجنوب من عائداته النفطية والغازية، وتقييد موارده المالية، انعكس بشكل مباشر على تدهور الخدمات الأساسية وانقطاع الكهرباء والمياه، وخلق بيئة اجتماعية مأزومة تزداد فيها فرص الاحتقان والتوتر. ومثل هذا الواقع لا يهدد السلم الاجتماعي فحسب، بل يفتح المجال أمام قوى متطرفة وأطراف معادية لاستغلال معاناة الناس. ومن ثم، فإن أي تسوية عادلة لا يمكن أن تكون شاملة إلا إذا تضمنت معالجة جذرية للبعد الاقتصادي وضمان حق الجنوب في التصرف بموارده بما يحقق التنمية ويعيد الثقة بين المواطن والدولة.
الجنوب اليوم ليس مجرد جغرافيا ملحقة، بل هو كيان سياسي واجتماعي يتمتع بقدرات ذاتية أثبتت حضورها في مواجهة الإرهاب والتصدي لمشاريع تهدد الأمن القومي العربي. ومن هنا فإن المعادلة التي صاغها المجلس الانتقالي بوضوح – “الأرض أرض شعب الجنوب والقرار قراره” – ليست خطاباً عاطفياً بقدر ما هي توصيف واقعي يفرض نفسه على صانعي القرار الإقليمي والدولي.
لقد أبدى المجلس الانتقالي الجنوبي في بيانه قدراً عالياً من المسؤولية السياسية من خلال إشادته بدور التحالف العربي وجهود الدول الراعية للسلام. وهذا يعكس حرص الجنوب على أن تظل قضية شعب الجنوب جزءاً من الحل لا سبباً في إطالة الأزمة. غير أن هذا الحرص يجب أن يقابله التزام عملي من الأطراف الأخرى، يقوم على احترام استحقاقات الشراكة، وضمان حقوق الجنوب الاقتصادية والسياسية والأمنية كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
إن الرسالة التي ينبغي أن يدركها المجتمع الدولي والإقليمي والشركاء اليمنيين أيضاً هي أن تجاهل الجنوب أو محاولة إقصائه لا يهدد فقط مسار التسوية في اليمن، بل يضع الأمن البحري في الممرات الدولية، والاستقرار في الخليج والقرن الإفريقي، أمام تحديات غير محسوبة. فالقضية الجنوبية لم تعد شأناً داخلياً يمكن تأجيله، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي والدولي. وعليه، فإن الاعتراف بدور الجنوب وحقوقه لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة استراتيجية لضمان سلام عادل واستقرار مستدام في المنطقة