اقتصاد

انهيار الهيمنة؟.. الدولار على المحك من جديد

سمانيوز/متابعات

في خضم التحديات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية الراهنة، تتزايد التكهنات بشأن مستقبل الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، فالبعض يرى أن هيمنة الدولار أصبحت على المحك، مستشهدين بتزايد الديون الأمريكية، واستخدام العقوبات المالية كسلاح في السياسة الخارجية، وهو ما دفع دولًا مثل روسيا إلى البحث عن بدائل مثل اليوان الصيني.

هذه المخاوف تتفاقم مع تصاعد احتمالية أن تُجبر الديون المتنامية الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، مما قد يُؤدي إلى تضخم متزايد وانخفاض في قيمة العملة الأمريكية.

انتشار الدولار الواسع وقوة الاقتصاد الأمريكي

مع ذلك، يرى الكثيرون أن هذه المخاوف مبالغ فيها، مؤكدين أن انتشار الدولار الواسع وقوة الاقتصاد الأمريكي الضخمة يضمنان استمرار هيمنته. لكن هذا المنظور المتفائل يتجاهل حقيقة تاريخية مهمة، الدولار الأمريكي فقد هيمنته من قبل، وقصته ليست مجرد صعود مستمر، بل هي قصة صعود وهبوط يمكن أن تُقدّم دروسًا مهمة لمستقبل العملة الأمريكية.

فقبل الحرب العالمية الأولى، كان الجنيه الإسترليني هو العملة العالمية المهيمنة، ولم يكن للدولار مكانة تُذكر، ولكن جهودًا حاسمة، مدعومة بظروف تاريخية، غيّرت مسار هيمنة العملات بشكل جذري وفق “وول ستريت جورنال”، الجمعة 12 سبتمبر 2025.

صعود الدولار.. من الهامش إلى القمة

قبل عام 1913، لم يكن الدولار الأمريكي يُستخدم في المعاملات الدولية، حيث كان يفتقر إلى بنك مركزي يدعم أسواقه المالية. ولكن بعد صدور قانون الاحتياطي الفيدرالي، بدأت رحلة صعوده. وكان المهندس الحقيقي لهذه الرؤية هو المصرفي الألماني-الأمريكي بول واربورغ، الذي رأى أن اعتماد أمريكا على الجنيه الإسترليني يُمثل عائقًا تنافسيًا. دفع واربورغ باتجاه إنشاء سوق ائتمانات تجارية بالدولار، مما سمح للمصدرين والمستوردين الأمريكيين بتمويل تجارتهم بعملتهم الخاصة.

تحققت رؤية واربورغ بفضل مجموعة من العوامل، أبرزها دوره المحوري في صياغة قانون الاحتياطي الفيدرالي ودعمه المستمر للسوق الجديدة. وبفضل جهوده، إلى جانب النمو الاقتصادي الهائل للولايات المتحدة التي أصبحت أكبر مُصدر وطني وأكبر سوق مالي في العالم بعد الحرب العالمية الأولى، حلّ الدولار محل الجنيه الإسترليني كعملة دولية رائدة بحلول أواخر عشرينيات القرن العشرين.

سقوط الدولار.. كيف أدى الكساد الكبير إلى تآكل الهيمنة
لم تدم هيمنة الدولار طويلًا، فمع بداية الكساد الكبير في عام 1929، انخفضت التجارة الأمريكية بشكل حاد، وأدت السياسات الحمائية مثل تعريفة سموت-هاولي إلى تفاقم الأزمة. والأهم من ذلك، أن 3 أزمات مالية مدمرة أدت إلى تعطيل تدفق التمويل، مما جعل المستوردين والمصدرين يُعيدون النظر في اعتمادهم على النظام المصرفي الأمريكي.

كان السبب الأعمق وراء هذا التآكل هو التغييرات في القيادة السياسية والنقدية، فبعد وفاة بنجامين سترونج، المحافظ المؤثر لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، تولى خلفه جورج هاريسون منصبه، الذي كان أقل اهتمامًا بدعم السوق الدولية للدولار، في الوقت نفسه، بدأ السياسي كارتر جلاس في توجيه انتقادات حادة للوائح التي أقرها واربورغ، معتبرًا أنها أدت إلى مضاربات أدت إلى الانهيار المالي. وبدلًا من دعم السوق، قامت البنوك الاحتياطية بتقليص عملياتها استجابةً لهذه الانتقادات، مما أدى إلى انهيار سوق قبولات الدولار.

هيمنة ليست أبدية.. هل يفقد الدولار الأمريكي هيمنته؟

لم يستعد الدولار مكانته كعملة عالمية مهيمنة إلا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الوحيد المتبقي، ومن هذه التجربة، تعلم الاحتياطي الفيدرالي درسًا مهمًا: يجب الحفاظ على الهيمنة بنشاط، فلكي يستمر الدولار في مكانته، يجب أن يدعمه مسؤولون أكفاء، ويجب على السياسيين تجنب التدخل في السياسات النقدية والمالية.

إن الدروس المستفادة من تاريخ الدولار واضحة، هيمنة الدولار ليست قدرًا محتومًا، إنها نتيجة جهود مستمرة وسياسات حكيمة، ويمكن أن تنهار إذا أُسيء إدارتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى