مقالات

القات .. عشبة الخراب

مرام نوشاد

إعلامية جنوبية
ترى ظهيرة كل يوم ألآلاف الرجال يتوافدون ويتدافعون نحو سوق القات لشراء نبتة خضراء أكتشفت لأول مرة في الحبشة -إثيوبيا حاليًا- ثم أنتقلت إلى بلدنا الفقير.
 
منذ بداية الوحدة التي فرضت على الشعب الجنوبي عام 1990، بدأ إستهلاك القات ينتشر على نطاق أوسع في جنوب اليمن، ذلك بعد أن كان دخوله ممنوعاً إلى المحافظات الجنوبية إلاّ بمعدل يومين أسبوعياً، كان حينها عدد متعاطيه أقلية صغيرة مقارنةً بالنسبة الحالية، بل كان يُعتبر عادة مجتمعية دخيلة قبل أن يصبح جزءاً لا يتجزّأ من ثقافة المجتمع في جنوب البلد.
 
مُخدر أم مُنبه جدل لا ينتهي حول القات، وفي الوقت الذي يحارب العالم القات ويعتبره نبتة مخدرة مثل نبات الكوكا التي يستخرج منه الكوكايين، وبينما تُشرّع أغلب دول العالم عقوبات قاسية لتعاطي القات وترويجه، وفيما تُركز دول أخرى إهتمامها على زراعة أشجار البن، يُقدم المزارعين في البلد الفقير على إقتلاع أشجار البن وإستبدالها بالقات، لتتحول بلادنا من إحدى أهم الدول المنتجة للبن إلى المنتج الأهم والأوحد تقريبًا لـ “القات.”
 
توسعت زراعة القات لأسباب تتعلق بضخامة نسبة متعاطيه، للدرجة التي تمددت معها رقعة زراعته لتلبية إحتياجات السوق المحلي، لتقترب من نصف الأراضي المزروعة في البلد، ووفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الزراعة فقد توسعت الرقعة الزراعية لزراعة القات لتصل خلال العامين الماضيين إلى أكثر من 170 ألف هكتار زراعي، ما يمثل 40% من إجمالي الأراضي الزراعية في البلد. ويتصدر القات قائمة المزروعات النقدية، وينفق مدمنيه الذين يعيش أكثر من 50% منهم تحت خط الفقر، أكثر من 400 مليار ريال على القات سنويًا، وهو ما يمثل 40% من دخل سكان البلد سنويًا.
 
وتُصنف منظمة الصحة العالمية القات كنبتة مخدرة تسبب الإدمان لإحتوائه على مادة “الكاثيون”، وهي المادة المسؤولة عن شعور متعاطي القات بالإرتياح وقوة التركيز والإنفعال؛ “فالمولَعي” لفظ شعبي يُطلق علي متعاطي القات بإدمان شديد، أما “المُقوِت” فهو لقب بائعي القات بشكل عام في ثقافة متعاطي هذه النبتة، فيما يطلق على من يقوم بقطف القات من الشجر أسم “المُبَزِغ.”
 
يوضح بعض الأطباء أن القات كنبته لا مشكلة فيه، إلا أن إستخدام المبيدات المصاحبة لزراعته والتي تعرف بـ”بودر القات” هي ما تسبب الأضرار الصحية كفقدان الشهية والغثيان والسرطان على المدى الطويل، ويستخدم المزارعين هذه المبيدات لتسريع عملية النمو لزيادة أرباحهم.
 
لكن ضرر مضغ عشبة خراب الصحة لا إختلاف عليه، فيعتبر القات من المنشطات الطبيعية التي تستخدم منذ القدم في أغراض التخدير ويقتصر إستعماله على عدد من البلدان مثل: تركستان واليمن وأفغانستان وأوغندا وجنوب افريقيا لتواجده بها، فمضغ القات يؤثر بشكل مباشر على الكبد لأنه مستودع السموم بالجسم، ومتعاطين القات من أكثر المصابين بفيروسات وإلتهابات الكبد، خصوصًا إلتهاب الكبد الوبائي بسبب نقص مناعة الجسم بشكل رئيس، ومن أضراره أيضًا قرحة المعدة وإلتهاب المريء ومشاكل سوء الهضم نتيجة لضعف التمثيل الغذائي الجيد للجسم، ومتعاطو القات أكثر عرضة للإصابة بأمراض الربو و الإلتهابات الرئوية.
 
حيث ظهرت محاولات خجولة لمنع القات، لكنها لم تكلل بالنجاح الشاسع على صعيد جميع المحافظات الحنوبية؛ بل للقات جلسات تخزينة كركن الحارة أو المنزل أو المعروفة بـ”المقيل” التي تعتبر جلسة مناسبة لمناقشة القضايا، كما لو كنت في برلمان شعبي مصغر ومنبر لحرية التعبير لا خطوط حمراء فيه!.
 
وبين مضغه وإبقائه في الفم لساعات طويلة، يبقى لتخزين القات ضرر لا يقتنع به مستخدموه، فمن نشاط زائد ويقظة مستمرة، إلى حالة كسل وخمول وإرهاق وضُعف تأتي بعد إنتهاء مفعول القات في الجسم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى