مقالات

رحيل عملاق النضال

عبدالباري الباركي الكلدي

ما أصعب الكلام حين يُقتل الوطن بتساقط رجاله المخلصين يعجز القلم وتعجز الكلمات ويملأ القلوب الصمت ويخنق الحناجر القهر والحزن والألم حين يكون الراحل عنا قائدا ً كبيراً عسكرياً وسياسيا ً ومعلما ً فذاً كالأخ اللواء / محمد صالح طماح نجد أنفسنا عاجزين عن التعبير والكلام والإيفاء بحقه ولو بجزء يسير من ذكراه وتاريخه النضالي وسيرته العطرة
 
مصابنا فيك جلل أبا ياسر رحلت عنا في حين كان الوطن يحتاج لأمتالك .. لقد حاولت أن أقول كلمة عزاء منذ بلغني خبر استشهادك ولكنني عجزت … عجزت عن الرثاء .. فأنت أكبر من أن نرثيك … عجزت عن البكاء فأنت أطهر من دموعنا .. عجزنا وعجزت الكلمات ان تنعيك
 
رحل طماح الجنوب وأغمد سيف فارس مغوار للأبد .. لقد كان مثالاً للتحدي و الصمود و الإباء
وليس لنا من بعدك إلا أن نتجرع مرارة القهر والحزن في زمن الخيانة والغدر ..
لا نبالغ إذا قلنا أن السنوات الأخيرة كانت سنوات كئيبة حزينة مليئة بخسائر جمه مني بها الوطن وهذه السنة منذ بدايتها ظننا بها خيراً لكن مالبثت إلا أن تكون سنة أشد فداحة من سابقاتها .. لا نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
 
لن نبالغ إن قلنا إنها بداية سنة ساخنة تجاوزت درجة حرارتها اللا معقول لتختلط برودة الشتاء بحرارة الحرقة والفرقة
مؤشر خطير يهاجمنا وفي عقر دارنا يخلق وضعاً قابلاً للانفجار بأي لحظة وضعاً شهد أعنف هزة في عمق ثورتنا لتكتشف مدى هشاشة بنيته الداخلية ، ولا زالت هناك بقعة زيت تسبح ملوحة بخطر جديد سيمتد قريباً ليكشف زيف التغني بأمجاد زائفة
 
ليدق ناقوس خطر بأن تحقيق الثورة وإنجازاتها لن يكون بالتغني والدعاء والتضرع والخوف وانتظار قضاء الله وقدره والتسليم بالأمر .. بل إلى السعي إلى تغيير الوضع القائم الذي ينذر بكارثة لا مثيل لها قبل أن نخسر كل شي فلم يعد يتبقى إلا القليل بعد أن خسر الوطن الكثير ..
 
الوطن مستهدف بكل فئاته وكوادره ومكوناته وكل ذرة أمل ليحيا ترابه وبكل تاريخه أيضاً صفعات متتالية نتلقاها وصفعة الأمس كانت خسارة فادحة للوطن خسرنا خيرة الرجال وأعمدة الوطن الأشاوس
في صبيحة يوم الخميس العاشر من يناير ألقت طائرة مسيرة مجهولة المصدر عددآ من المتفجرات بالقرب من منصة الاحتفال بقاعدة العند العسكرية
 
أستشهد خلالها وأصيب العديد من القادة الكبار ، حملة منظمة شنت لإفراغ الجنوب من قياداته وشبابه ،، وما تفجيرات العند إلا غيض من فيض للقضاء على ماتبقى من قادة الجنوب لفرض الأمر الواقع .. حرب حصدت على مدى سنوات أرواح العديد من عمالقة الوطن وأعمدته وأركانه في ظل صمت غير طبيعي من قبل ولاة الأمر وترك المجرمين يسرحون ويمرحون دون عقاب .. أصيب الوطن في فاجعة باستشهاد قيادته
 
وكان آخرهم وليس بالأخر  القائد المغوار / طماح والذي بخسارته خسر الوطن ركنآ أساسيآ من أركان قوته
فجع الوطن واهتزت جباله بفقدان قائد جل لأمهات الجنوب أن تنجب مثله
بحزن بالغ وبوجع ألم الفراق وبصرخات تحمل في طياتها الآهات جاء فجر اليوم الأحد الموافق ال 13 من يناير خبر استشهاد البطل طماح _كصاعقة زلزلت جبال الجنوب ويافع _
متأثراً بإصابته البالغه جراء عملية الغدر الإرهابية التي استهدفت قاعدة العند واستشهد طماح وخسر الوطن مثل ما خسر قبله الكثير ولا نعلم من التالي
من أحرار الجنوب ستتساقط في عمليات غدر وخيانة كما تعرض لها طماح الذي كان ركنآ من أركان الجيش وقوته ومن يهتز لذكره العدو واسماً ارتبط بالمهابة والجبروت ، حيث كان اسمه يزلزل الأعداء في المعارك بمختلف مراحلها النضالية .. قائد نادر له تاريخ حافل بالعطاء لأجل حب الوطن يسجله التاريخ بجداره في أنصع صفحاته ،، و أب ملهم لجنوده ورفيق درب لكل من عاشره ..
فقد الوطن رجلاً شجاعاً هماماً صنديداً لم يستطع الأعداء قتله في ساحات الوغى فلجأوا إلى الخديعة
و قائدآ أفنى حياته لأجل الوطن فقد ترك حياة الرفاهية في الخارج لينضم إلى أبناء وطنه متلمساً حاجتهم ،، فشكل الكتائب العسكرية وقاد الألوية
ليؤدي واجبه والهدف الذي وضعه أمام عينيه .. والتمسك بحق الشعب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وعودة الجنوب وطناً حراً ذو سيادة لم يكل يومآ أو يمل .. كان رجلاً مثل سيفه لا يلين عن الحق مهما زادت البلبلة من حوله ..
خسر الجنوب في هذا الوقت العصيب شخصيه قيادية يحتاجها الوطن .. رحم الله طماح الذي سنفتقد حنكته ودهائه وأخلاقه وصبره وحلمه وذكائه والتي طالما كان قد تمسك بها في أبشع الظروف وكانت وقودآ لجنوده للمضي للأمام ليعزز بها الصمود ..
فهو رجل من رجالات الجنوب الذين هبوا يوم نادى الوطن واستنهض الناس وبث فيهم روح الصمود ..
في حرب صيف 94 قاد أشرس المعارك وكان أخر قائد يواصل المعركة على الرغم من سقوط البلاد وهروب القادة والحكومة ولجأ إلى جبال يافع لفتح المعسكرات والتعبئة ورسم الخطط لقتال القوات الغازية .. رفض الاستسلام ورفض الاحتلال،، وبعد سيطرة الاحتلال على الجنوب عرضت عليه مراكز قيادية ومناصب عليا رفض كل العروض وغادر البلاد ولم يعد إلا عندما اندلعت الثورة في العام 2007 م فكان قائداً شجاعاً حمل السلاح وقال : ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، وقاد القتال ضد قوات الاحتلال اليمني في يافع وحرر جبل العر كأول انتصار جنوبي .. وفي حرب العام 2015 م قاد المعركة ضد قوات الاحتلال وحرر العند وتعرض للخيانة والغدر في نفس الطريقة التي تعرض لها وزير الدفاع محمود الصبيحي وفيصل رجب ،، ولكن طماح استطاع أن يفلت من داخل محور العند وتعرض بعدها لحملات تشويه ممنهجة وتهميش واستبعاد ليغادر بعد سيطرة الجنوبيين على أرضهم ..
 
وعاد بعد تعيينه رئيسآ للاستخبارات العسكرية في أواخر العام 2018 م واستشهد بعملية غادرة اتفق على تصفيته أعداء الجنوب واعداء الحرية والاستقلال ..
ستبقى في ذاكرتنا منارة ورمزآ لكل الشرفاء أبا ياسر
رحمك الله وأعان الله الشعب الجنوبي الذي تتدفق كلماته في دموع وآهات وحسرات وتعجز الكلمات عن وصف المصاب الجلل
إنا لله وإنا إليه راجعون
سيبقى طماح خالدآ .. وسيبقى فينا ما بقينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى