آداب و ثقافة

صديقي الليل – خاطرة

[su_label type=”info”]رانيا عبد الله[/su_label] ها أنا ذا من جديد، أعود لمسامرة نجومك وتتجاذب ذكرياتي نسائمك، تختطفني من كل ما حولي فأشعر أنني أقف في فجوة زمنية أسمع فيها أصواتاً توقظ نغمة قديمة مترسخة في أعماقي، وأشتم فيها عبقاً يلامس قلبي ويستثير فيه مشاعر مضطربة ومجهولة التفسير؛ لكنها لذيذة. تأسرني كثبانك السوداء، أشعر أنها ناعمة وأنني بحاجة لأن أغفو بين أحضانها لتسافر عيناي إلى الماضي فتجمع صور الراحلين وتنصبها حولي فأستأنس بقربهم من جديد.
أتعلم؟ لقد تغيرت كثيراً، تغيرت إلى الحد الذي اختفت معه أنا السابقة من ذاكرتي، أو لعل ذاكرتي المنهكة لم تعد قادرة على تذكري، لا فرق… المهم أنني تغيرت.
إنني أزداد انشطاراً كلما ازدادت سنوات عمري، أتشظى إلى العديد مني والخلاف بينهن يزداد حدة وضراوة، في كل مرة تنتصر إحداهن فأتوهم أنها ستسودني؛ لكن سرعان مايعود الصراع، وبين نصر هذه وهزيمة تلكم، أسير وأتشظى.
أنا أتآكل وحدة، ذلك الستار القاتم الذي يرتخي على روحي فجأةً وسط الجمع، فيحجب عنها الإلتحام به، ويحول بينها وبين الجسد الذي ظل واجماً لايجرؤ على الهرب بعيداً. فجأة أشعر أن الأصوات تخفت إلى أن أفقدها، ولا أرى سوى شفاه تتحرك وتنطق حروفاً للغة لا أجيدها، ولا أقدر على تكهن معناها، وتطفو على الأعين صفحات بيضاء أعجز عن قراءتها رغم إتقاني لغتها.
أشعر بغربة، والمؤلم أنني أجهل الوطن، أفقد انتمائي شيئاً فشيئاً لكل ماحولي، وتغيظني مزاجيتي المفرطة، لأبدأ بالتأرجح في أكثر لحظاتي استقراراً، فيضاف إلى الغربة غموضاً لما سأشعر به بعد لحظات. أعلم أنني الليلة أُكثر الثرثرة؛ لكن صدقني أن الأمر ليس بيدي، فكلما زاد صمت لساني ازدادت ثرثرة وجداني، وأنا أمر بصمتٍ رهيبٍ هذه الفترة، وأنت منفى فوضاي وموطن بوحي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى