مقالات

رسائل شمالية من فوق الباصات

د. عبده يحيى الدباني

كاتب جنوبي
منذ تحرير عدن في ٢٠١٥م ومعظم محافظات الجنوب من الغزو الشمالي الأول والثاني وأنا ألاحظ ظاهرة تكررت فوق باصات الأجرة في عدن ،وقد لاحظ غيري ذلك….مع أنني اتنقل عادة بسيارتي ولكن حين ينعدم البترول أو يتعذر توفير سعره الباهظ فليس أمامنا إلا هذه الباصات الكثيرة التي تتنازع الركاب في كل مكان . هذه الظاهرة أو الرسائل الشمالية تتمثل في أن أحد الركاب يتصل من فوق هذا الباص أو ذاك
أو يستقبل مكالمة فيرفع صوته أثناء الاتصال بشكل ملحوظ ومتعمد بلهجة شمالية واضحة المعالم مع هنجمة ووعيد أحيانا للطرف الآخر الوهمي بحيث يطول الاتصال ويرتفع الصوت حتى يلفت انتباه الركاب فيشعر
اللبيب بافتعال تلك المكالمات. ثم بعد ذلك تجد هذا الشخص يفتح نقاشا ويثير أسئلة أو يصدر تعليقات عند المرور بنقطة ما أو حين يرى صور بعض القادة الجنوبيين على الطريق او يروج لخبر مشكوك بصحته وغير ذلك من الحركات المشبوهة .
هذا ما جعلني استنتج بعد تكرار كل تلك المشاهد آن هذه رسائل سياسية لقوى شمالية تفيد بأنهم لا يزالون موجودين في عدن بقوة وبأن البلاد بلادهم والحكم حكمهم. هذه الرسائل موجهة للرأي العام ؛ فالباصات مكان يرتاده معظ أفراد المجتمع ،وليس غريبا أن تلجأ الاستخبارات عادة لمثل هذه الأساليب لمعرفة آراء الناس أو التأثير على الرأي العام .أما الإخوة الشماليون في عدن هذه الأيام فقد كثروا وتكاثروا ولم تعد الظاهرة مقتصرة على الباصات بل تجدها كثيرا في الأماكن العامة. وليست المشكلة في هذا الوجود نفسه بالرغم من الضغوطات المختلفة على المدينة ،فنحن نقدر وضع البلاد هذه الأيام ومصالح الناس وأعمالهم ومتابعة رواتبهم وحالة النزوح من المناطق المنكوبة بسبب الحرب وغير ذلك ؛ ولكن المشكلة تكمن في التربص الأمني والعسكري بعدن عاصمة الجنوب ومعقل قضيته العادلة وبوابته على العالم ،فالقوى التي احتلت الجنوب منذ ١٩٩٤م وهزمت عسكريا في ٢٠١٥م لا تريد مغادرته لا سياسيا ولا ميدانيا على الرغم من أنها تمر بأوضاع ضعف و هزائم وتفكك ورفض إقليمي ودولي ولم تعلم هذه القوى انها بتربصها بالجنوب وإصرارها على عرقلة انتصار قضيته واستعادة دولته لن تحقق أهدافها المريضة كما حققتها من قبل في غفلة من التاريخ،بل ستخسر الشمال نفسه وهي تسعى بجنون للسيطرة على الجنوب.
من هنا فإن هذه القوى المتنفذة التي ضيعت البلاد شمالا وجنوبا وقتلت الوحدة السلمية في مهدها باتت تزج بجلاوزتها ومخبيرها وجنودها في عدن وتكدسهم فيها لإثارة الفتن وخلق الفوضى والتمترس حتى الوقت المناسب كما تسول لهم نفوسهم ؛ مستغلين الأوضاع الراهنة وسلطة الشرعية التي يتحكمون بها وتواطؤ بعض الجنوبيين الذين ربطوا مصيرهم بهذه القوى المعادية للجنوب نظرا لمصالحهم ومستغلين كذلك طبيعة عدن وأهلها في تعاملهم الإنساني واريحيتهم مع الناس من حيث كانوا وثقافة التعايش التي يتميز بها الجنوبيون بوجه عام . هذه القوى تأبى أن تترك المصالح المشروعة تنساب بين الناس في البلدين الجارين وتصر على ترسيخ ثقافة الكراهية التي يتهمون الجنوبيين بها وهم الذين يزرعونها لدى المواطنين في الشمال والجنوب .
ومن هنا نقول إن دولة الجنوب قد بدأت تتشكل معالمها ومرتكزاتها برضى إقليمي ودولي واستعداد ذاتي داخلي ولن يعرقل قيامها مثل هذا التربص والتمترس أو إجراء مكالمات وهمية من فوق الباصات .
ونقول للجنوبيين أصحاب القضية وقيادتهم المتمثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي:
مكنوا أنفسكم في أرضكم وتمكنوا منها فحيث لا تكونون يكون خصومكم… فهذا عامكم عام التمكين والنصر إن شاء الله تعالى .
ونحن لا نهدد أحدا بقيام دولة الجنوب ولكننا نبشر بذلك تبشيرا ،فدولة الجنوب المرتقب قيامها ليست حربا على أحد واما عاصمتها عدن فلن ينقلها الجنوبيون إلى قارة أخرى فهي حيث شاء لها الله أن تكون جغرافيا وتاريخيا ولن تكون إلا خيرا وبركة وسلاما على أهلها وعلى الآخرين في الداخل والخارج لاسيما الذين يقدرون أهميتها ومكانتها ويحترمون طبيعتها المدنية والحضارية ويلتزمون قوانينها الحديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى