عام

سالم سيف الشبحي. . . فارس آخر يترجل

الدكتور عيدروس نصر النقيب

سياسي جنوبي
تلقيت بحزن وألم شديدين نبأ وفاة العميد سالم سيف بن قاسم الشبحي بعد صراع طويل مع المرض، وكان خبر وفاته صدمة كبيرة بالنسبة لي فقد تعرفت على الرجل في منتصف الثمانينات من القرن الماضي بعد أن أنهيت دراستي للماجستير وتم تعييني للعمل في محافظة أبين وكان الرجل قائدا للمليشيا الشعبية فيها، وتقاسمنا معا الكثير من الهموم والالتزامات والأنشطة، رغم عدم اشتغالي بالحياة العسكرية، لكن ما كان يجمعنا معا هو الهم الوطني والمجتمعي والعمل الجماهيري والأنشطة التثقيفية والعمل في إطار مجلس الشعب المحلي في محافظة أبين ومنظمة الحزب الاشتراكي اليمني هناك
عرف الفقيد المناضل سالم سيف قاسم الشبحي كقائد عسكري متميز بالصدق والشجاعة والنزاهة والإباء على مدى مراحل دولة الاستقلال حتى العام 1994م أما لماذا 1994م، ففي هذا العام جرت تصفية كلما صنعته دولة الاستقلال من منجزات بشرية ومادية ومعرفية وإخلاقية وسياسية وكانت الكوادر البشرية المدنية والعسكرية هي أول الضحايا لسياسة التصفية هذه التي استهدفت كلما يذكر الناس بجمهورية اليمن الديمقراطية ومنجزاتها.
على يدي القائد سالم سيف (أبو جياب) ومن خلال عمله وتحت قيادته تتلمذ الآلاف من العسكريين الذين صار منهم العميد والعقيد المدفعي والمهندس والمعماري والطبوغرافي ومهندس الاتصالات وضابط التجهيزات، ومن مختلف التخصصات.
صبيحة الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان الشاب سالم سيف يتحسس طريقه نحو مستقبل جديد يتلاءم وطبيعة الحياة الجديدة التي جاءت بها الثورة وحملها الاستقلال مع تباشيره الأولى – مستقبل ليس فيه نزاعات قبلية ولا حروب وثارات بين القرى والفخائذ – مستقبل ينتمي فيه الناس إلى إطار أكبر اسمه الوطن.
كانت المحطات الأولى هي الحرس الشعبي الذي تكون من مجموعة من الشباب الأشبه بالمتطوعين ثم جاءت مرحلة القوات الشعبية التي مثلت رديفا شعبيا للقوات المسلحة النظامية وكان معظم المنخرطين فيها من الشباب الجدد المتعطشين للعلم والمهارات العسكرية.
وعندما تأسست المليشيا الشعبية كمؤسسة عسكرية متكاملة مع الجيش الرسمي والشرطة الشعبية وجد الفقيد سالم سيف لنفسه مكانا مناسبا لتجسيد مهاراته ومواهبه التي كان قد شحذها وطورها في تجاربه السابقة في الحرس الشعبي والقوات الشعبية. ولمن لا يعرف تاريخ هذه المؤسسة أن يعلم أن المليشيا الشعبية لم تكن مكوناً ناشزاً عن السياسة العامة او حركة مليشياوية كحال تلك التي تنشأ هذه الأيام لمواجهة السلطات والمجتمع، بل لقد كانت مؤسسة وطنية أنشئت بقرار من الدولة وكانت تقاد وتمول من قبل الدولة لكنها أستحدثت لاستيعاب القوى الشابة ولتعزيز دور الشباب في حماية الوطن وصون كرامة المواطن.
تدرج الفقيد (أبو جياب) في عدة مواقع ومراتب عسكرية في إطار المليشيا الشعبية، حتى العام 1987م عندما كلف بقيادة المليشيا الشعبية في محافظة أبين، وعندما تم دمج المليشيا الشعبية في إطار القوات المسلحة وإلحاقها بوزارة الدفاع حصل الفقيد على رتبة مقدم ثم عقيد، وبقي قائدا للمليشيا الشعبية في أبين، التي أنيطت بها مهمات الدفاع المدني في المدن والمحافظات.وظل الفقيد في هذا الموقع حتى العام 1994م عندما تم تدمير كل ما صنعته جمهورية اليمن الديمقراطية من مؤسسات ومنشآت وجرى استبعاد الكفاءات والكوادر الجنوبية عقابا لها على انتمائها إلى الجنوب، وكان سالم مثله مثل الآلاف الذين إحيلوا إلى التقاعد الإجباري في إطار ما عرف حينها بحزب (خليك بالبيت).
كثيرة هي السجايا الشخصية، الوطنية والسياسية والأخلاقية التي تميز بها الفقيد، والتي قد لا يتسع المجال لتعدادها، لكن أهم ما تميز به أبو جياب هو الشجاعة والإقدام فقد تعلم في المؤسسة العسكرية فنون المواجهة وتحدي المخاطر ومواجهة الموت والانتصار عليه، كما تميز الفقيد بالنزاهة والإيثار ونكران الذات، فطوال فترة عمله في العديد من المواقع القيادية كان يضع مصلحة الوطن فوق مصالحه الشخصية بل لم يفكر قط بما يمكن تسميته المصلحة الشخصية، كما كان حريصا على رفاقه ومرؤوسيه رفيقا بهم أمينا مع المسؤوليات التي يتولاها، وبعكس عساكر هذه الأيام لم يفكر الشبحي، ولا غيره من القادة العسكريين، بالبسط على مصلحة عامة أو خاصة ولم يسط قط على حق أحد بل لقد كان داعما للحق نصيرا للمظلومين متحيزا بشدة للطبقات المجتع الشعبية وفيا بوعده صادقا بقوله عزيزا بنفسه مترفعا بأخلاقه.
رحم الله الفقيد سالم سيف قاسم الشبحي وأسكنه فسيح جناته وإننا بهذا المصاب الجلل نتقدم بصادق آيات العزاء والمواسات إلى الشاب جياب سالم سيف وإخوانه وجميع أفراد أسرته وأعمامه وكافة آل الشبحي وجميع رفاق الفقيد وزملائه ومحبيه، مبتهلين إلى الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى