مقالات

في تذكار المثقف الإنساني غسان كنفاني

د. قاسم المحبشي

كاتب جنوبي
كنا البارحة في أمسية ثقافية رائعة أحياها مكتب المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين ومديره الدكتور محمد أبو رجب بمناسبة مرور الذكرى ٤٥ على استشهاد المثقف الفلسطيني المقاوم غسان كنفاني الذي أصبح اليوم رمزاً ثقافياً إنسانيا خالداً من رموز الثورة الفلسطينية والثقافة العربية المعاصرة ، حضر الأمسية نخبة من الأكاديميين والمثقفين في عدن . وقد سنحت لي الفرصة أن أتقدم بمداخلة مختصرة بعنوان : غسان كنفاني المثقف الثوري الإنساني! قلت فيها : يموت الإنسان حينما يكف الناس عن تذّكره! والشهيد غسان كنفاني يعد من المثقفين الفلسطنيين الرواد في نقل قضية الشعب الفلسطيني من مستوى الغضب والانفعال الذاتي الى مستوى الوعي والنضال الثقافي الفعّال على أجنحة الحروف والأفكار السريعة الإشعاع والانتقال في فضاءات العالم المعاصر. وحينما توهج جسد الشهيد الشاب غسان كنفاني في صباح يوم السبت الموافق٧ يوليو ١٩٧٢ كنت أنا في السنة أولى إبتدائي وأتذكر أنني عرفته لأول مرة في حياتي من خلال روايته الممثلة في فلم رجال في الشمس( مفقودون)  حينما كنت في سنة أولى ثانوي ولازالت صرخات أولئك الرجال المحشروين في صهريج الماء الحديدي ماثلة في  ذهني الأن وأنا أتذكر غسان كنفاني  وتسألت مع ذأتي. ياترى لو إنه عاش وشهد ما نشهده اليوم من فجائع وأهوال الحروب الطائفية والأهلية العربية العربية  وما تسببت به من خراب ودمار للشعوب والدول والأوطان ما لذي سوف يكتبه ؟! بعد أن صارنا شعوبا ودولا ليس فقط تحت الشمس بل في مهب العاصفة!
 
وأعد نفسي وجيلي من تلاميذ غسان كنفاني إذ أنه بتجربته الزاخرة بالفعل والعطاء وحياته القصيرة التي عاش فيها تجربة النكبة والاحتلال والنزوح واللجوء والمنفى والبحث عن عمل وبيت ووطن وكتب وقاوم وترك أثرا يستحيل محوه ونسيانه إذ كان الشهيد غسان كنفاني  وسيظل ملهما لجيلنا كله وللأجيال القادمة، غير أنني أعترف هنا بأننا كنا نقرأه ونشاهد مأساته بوصفها شأناً لا يخصنا نحن العرب غير الفلسطنيين رغم ما كان ينتبنا من مشاعر الحزن والاسى والتعاطف مع الفلسطيني ولكننا اليوم ونحن تذكر رجال في الشمس وبعد أن ذقنا مرارات التشرد والضياع وخراب الديار والأوطان أدركنا عمق الألم الفلسطيني  ومعنى ضياع البلدان وهذا من بين دوافع أخر هو ما جعلني أعيد قراءة غسان كنفاني اليوم بعيون جديدة وهو على كل حال ظاهرة ثقافية فريدة من نوعها في الحالة العربية إذ رغم قصر عمره ٣٦ عاماً فقط عاش منها الطفولة والنزوح والتشرد والبحث عن عمل والزواج والمرض ومتطلبات الحياة الأخرى ومع ذلك تمكن من إنجاز هذا النتاج الثقافي الثري في الأدب والنقد والسياسة والتاريخ والصحافة وترجم الى أكثر من عشرين لغة عالمية فمتى إنجز كل هذة الكتب والأعمال وكيف استطاع ذلك ؟! هذا هو السؤال الذي يستحق البحث والتأمل في تجربة غسان كنفاني الإبداعية الخصيبة.
لقد أدرك غسان كنفاني أن ضربات السيف تمحى أما ضربات القلم فسوف تظل خالدة فكان ما أراد
إذ بات اليوم يعيش ويحلق في فضاءات الحياة المتنامية عبر ١٨ كتاباً واللاف الصفحات وملايين الحروف والأفكار في البيوت والمكتبات والمواقع والشبكات وفي مختلف الثقافات واللغات ، وهكذا أصبح غسان كنفاني رمزا ثقافياً إنسانياً مستعصياً على النسيان !
فمن هو غسان كنفاني ؟
ولد في عكا في ٩ أبريل ١٩٣٦ وعاش في يافا مايو1948 في كنف أسرة متوسطة الحال كان والده محامياً وتوفت والدته وهو لازال في سن الطفولة وتكفلت أخته الكبرى فايزة برعايته حينما بلغ الحادية عشر من عمره أضطر الى النزوح مع أسرته الى بيروت ومن ثم حلب وأستقر في دمشق ثم بيروت وهناك تزوج من الدنمركية آني التي أنجبت فايز وليلى حتى لحظة أستشهاده مع الطفلة لميس أبنة أخته في صباح 8 يوليو 1972م بعبوة ناسفة وضعت في سيارته.
عمل غسان منذ شبابه في مجال النضال الوطني، فقد عمل مدرساً للتربية الفنية في مدراس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينين في دمشق، ثم انتقل بعدها إلى الكويت في سنة 1965م، إذ عمل هناك معلماً للرياضة والرسم في مدارس الكويت الرسمية، وكان خلال هذه الفترة يعمل أيضاً في الصحافة، فقد بدأ إنتاجه وإبداعه الأدبي في نفس الفترة، ثم انتقل في سنة 1960م إلى مدينة بيروت، حيث عمل هناك محرراً أدبياً في جريدة الحرية الأسبوعية، ثم في عام 1963م أصبح رئيس تحرير لجريدة المحرر، كما عمل أيضاً في كل من جريدة الحوادث، والأنوار حتى سنة 1969م، ثم بعدها أسس صحيفة الهدف، وظل رئيس تحريرها لفترة من الزمن. الحياة الآدبية لغسان كنفاني يعد غسان كنفاني نموذجاً مثالياً للروائي، والكاتب السياسي، والقاص الناقد، فقد كان مبدعاً معروفاً في كتاباته، كما كان مبدعاً في نضاله وحياته
 
أصدر غسان كنفاني حتى تاريخ وفاته المبكّر ثمانية عشر كتاباً. وكتب مئات المقالات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني. في أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، في طبعات عديدة. وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت في أربعة مجلدات. وتُرجمت معظم أعمال غسان الأدبية إلى سبع عشرة لغة ونُشرت في أكثر من 20 بلداً، وتمّ إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة. اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين. وما زالت أعماله الأدبية التي كتبها بين عامي 1956 و1972 تحظى اليوم بأهمية متزايدة. ومن أعماله يمكن ذكر الأتي:
1-عالم ليس لنا رواية.2- موت سرير رقم 12- بيروت، 1961. قصص قصيرة.
3-أرض البرتقال الحزين – بيروت، 1963. قصص قصيرة.4- رجال في الشمس – بيروت،1963. رواية. قصة فيلم “المخدوعين”.5-أم سعد – بيروت، 1969. رواية.6-عائد إلى حيفا – بيروت، 1970. رواية.7-الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980. قصص قصيرة.
8-العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)
9-القنديل الصغير-بيروت.10-القميص المسروق .11-جسر إلى الأبد. مسرحية.12-ما تبقى لكم
13-الباب (مسرحية) 14-أدب المقاومة في فلسطين المستقلة.15-الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968.16- 16-في الأدب الصهيوني.17- بنادق ورجال.
وقد حصل على جائزة في عام 1966م بعنوان أصدقاء الكتاب في لبنان، وكان ذلك لرواية (ما تبقى لكم) والتي أاعتبرت وقتها أفضل رواياته، كما حصل على جائزة منظمة الصحافيين العالمية، وفي عام 1974م حصل على جائزة اللوتس، والتي منحه إياها اتحاد كتاب إقريقيا وآسيا في عام 1971 م
 
وحتى نتعرف على أهمية وقيمة غسان كنفاني تعالوا نرى ماذا قال فيه الشاعر الراحل محمود درويش إذ كتب قائلاً:”غسان كنفاني نقل الحبر إلى مرتبة الشرف، أعطاه قيمة الدم. يقتحمنا دائماً بقوة كلماته التي لا تموت. كم كتب الفلسطينيون وماتوا، لكن حبرهم كان يجف مع دمهم. كتابته هي النادرة التي تصلح للقراءة بعد العودة من جنازة كاتبها، وتاريخ تبلور النثر الفلسطيني لم يبدأ إلا مع غسان كنفاني”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى