مقالات

تحرير العقول قبل تحرير الأوطان ..

عبدالكريم احمد سعيد

كاتب جنوبي
لقد تحررت معظم الأراضي الجنوبية عسكرياً من قوات صالح والحوثيين ، ولكنها مع الأسف لم تتحرر عقول بعض النخب السياسية الجنوبية من رواسب الماضي وعصبيات الجاهلية.! وهو ما يعكس واقعاً مؤلماً لموروثات متراكمة انهكت شعبنا في مراحل مختلفة، كنا نعتقد بان جليدها قد ذاب ، وانقشعت سحبها السوداء من فوق سماء الجنوب. عندما أعلن الجنوبيون التصالح والتسامح عام 2006م وشكل ذلك اللبنة الأولى لإنطلاق الحراك الجنوبي السلمي عام 2007م.
بعد معاناة حقيقية تجرع علقمها الجنوبيين، في ظل وحدة ضم قصرية غير متكافئة ألحقت ضرراً نفسياً ومادياً بالمجتمع الجنوبي بشكل عام، ولٌدت حالة رفض واستنكارات شعبية ايقظت الجنوبيين من سباتهم العميق، وساعدت على استنهاض الهمم، ولملمة الشمل الجنوبي من الضياع والتمزق والخلافات الداخلية، التي كان يستثمرها عفاش ونظامه الفاسد بخبث ودهاء الماكرين طوال فترة حكمه البائد . لهذا كانت ردة فعل الجنوبيين قوية وصاعقة ضد قوات عفاش والحوثيين الغازية للجنوب عام 2015م..في حرب مصيرية شاركت فيها كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي من مختلف مناطق الجنوب، وتوحد الجنوبيين تحت راية وعلم دولة الجنوب السابقة، مجسدين روح التضحية والفداء دفاعاً عن الأرض والعرض وإستعادة الوطن المسلوب من الطغاة..رسم الجنوبيين لوحة نضالية جميلة وعظيمة، شهد لها الإقليم والعالم، تكللت بطرد قوات عفاش والحوثيين من مختلف مناطق الجنوب والعاصمة عدن.
المؤسف ان تظل بعض النخب السياسية الجنوبية تغرد خارج السرب بعد كل هذه الانتصارات التي حققها شعبنا وفرض واقع جديد على الأرض، ينبغي على الجنوبيين أن يحسنوا أستخدامها جيداً لخدمة قضيتهم العادلة..في مرحلة مفصلية تتطلب التعاضد والتضامن الجنوبي ، وتقديم التنازلات والتضحية، ومد جسور المحبة والتعاون، وخلق شراكة حقيقية تساعد على إعادة بناء الثقة، وتوحيد الموقف الجنوبي حول قيادتة السياسية (المجلس الانتقالي الجنوبي) الذي شكل نقلة تحول سياسي نوعي فريد في تاريخ الثورة الجنوبية بعد إعلان عدن التاريخي في 4 مايو 20017م. الذي حرك المياه الراكدة لإبراز قضية شعب حي، مسلوب الحرية في وطن مكبل بقيود المصالح الدولية والإقليمية..!
إن اي محاولة للنيل من هذا المنجز التاريخي لشعبنا العظيم سيشكل نكسة حقيقية لثورة الجنوب التحررية، قد يصيبها في مقتل يؤخر استحقاقاتها السياسية التي ضحى من أجلها شهداء الجنوب. لهذا ننصح القوی السياسية الجنوبية بشكل عام إلی وقف المهاترات الإعلامية، والكف عن المناكفات التي تغذيها مراكز النفوذ اليمنية والمارقون في الفساد داخل حكومة الشرعية.! ويروج لها طابور خامس يصطاد في المياه العكرة.! ويرددها بعض الجنوبيين بجهالة وغباء من دون وعي أو إدراك لمخاطرها على شعب الجنوب..!!
إن العصبيات الطفيلية عادةً ماتقود الشعوب للمجهول، مخلفة وراءها كوارث إنسانية، وتدمير أوطان بأيدي أبناءها، نتيجة لعقليات مغامرة ومراهقة، تزج الشعوب في صراعات وأزمات خانقة على السلطة، وتحقيق مكاسب خاصة على حساب عامة الشعب..ونتيجة لذلك حدثت انتكاسات كبيره لبعض الانظمة في المنطقة، كما نشاهده اليوم في العراق وسوريا وليبيا واليمن وبلدان أخرى.!
ينبغي على النخب السياسية الجنوبية قراءة المشهد جيداً والإستفادة من تجارب الشعوب الأخرى وما لحق بها من دمار اقتصادي وسياسي، وتفكك للنسيج الإجتماعي، وانحطاط أخلاقي وفساد مالي وإداري، وتشرد وضياع لأبنائها..! كل ذلك بسبب حماقات وغباء الحكام، والنخب السياسية التي لا تجيد قراءة الواقع وفهم المتغيرات الجديدة والمتسارعة في الساحه السياسية الدولية، في ظل ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات، وانهيار المبادئ والقيم الأخلاقية والانسانية في معاير السياسة، التي أصبحت تتحكم بها المصالح الدولية وصناع القرار الدولي..!
حتى لا يقع الجنوبيون في تلك الاخطاء القاتلة، وينزلق شعبنا في مستنقعاتها الخطيرة، يصعب الخروج منها لعقود من الزمن.! علينا الوقوف بجديه وحزم لتقييم الوضع بشفافية تامه، ومسؤولية وطنية خالصة، لا تقبل المساومة او المجاملة على حساب القضية والوطن. وذلك بمصارحة كل الاطراف السياسية التي مازالت تصر في عنادها وحماقاتها ، لأشباع رغبات شخصية، تسيرها العواطف والعصبيات ونزعات الذات وهوس السلطة والمال دون حسابات دقيقة ومتعمقة لنتائجها الوخيمة على شعبنا ومستقبل الأجيال القادمة..
إن أي تصرفات انفعالية طائشة ومراهقة في الوقت الحاضر لا تخدم الجنوب وقضيته العادلة بقدرما تصب في خدمة أعداء الوطن، وتقود إلى انتكاس الانتصارات الجنوبية على الانقلابيين (عفاش والحوثيين) وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر، والدخول في مرحلة مظلمة من الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، قد تدخل الوطن في حرب بسوس جديدة سيدفع ثمنها الكل بما في ذلك دول الجوار والمنطقة.!
الخلاصة: لا بد ان يتدارك الامر ؛عقلاء وحكماء الأمة لانقاذ شعبنا والوطن من مصير مجهول ينذر بكارثة إنسانيّة تهدد الجميع.
✍عبدالكريم أحمد سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى