تقارير

الضالع أول إمارة جنوبية ترسم حدودها السياسية مع ولاية اليمن العُثمانيّة

[su_label type=”info”]سمانيوز / تقرير /  شايف الحدي [/su_label][su_spacer size=”10″] قبل موافقة الإمام يحيى بن حميد الدِّين, إمام المملكة المتوكليّة اليمنيّة، على توقيع معاهدة 1934م (الأنجلو ـ يمنية) مع بريطانيا، كان الإمام يحيى لا يزال باسطًا بقواته على هضبة سلطنة العوذلي في أبين وعاصمتها (مكيراس) في عام 1933م، وفي نفس الوقت كان الأمير نصر بن شايف بن سيف بن عبدالهادي حسن الأميري، أمير إمارة الضالع وملحقاتها، قد طرد بقواته وبمساعدة القوات الجويّة الملكية البريطانية جيش الإمام اليمني الزيدي من كل أراضي إمارته التي احتلها الجيش الزيدي عام 1920م، بقيادة أمير الجيش الملكي يحيى بن العباس المتوكل الشهاري, وتم طرد القوات الزيدية منها دون رجعة عام 1928م, بينما كانت (سلطنة العوذلي)، في أبين إلى نهاية عام 1933م لا تزال تحت سيطرة القوات الزيدية، أي بعد ست سنوات من تحرير إمارة الضالع وملحقاتها.
تاريخيًا تجمع كتب التاريخ على أن إمارة الضّالع وملحقاتها – ككيان سياسي مستقل – سبقت قيام الدّولة المتوكليَّة اليمنيَّة بستمائة عام، إِذ يعود تأسيس إمارة الضّالع إلى القرن الثالث عشر الميلادي، تحت اسم إمارة (خرفة) في بلاد حالمين، قبل أن تنتقل العاصمة إلى جبال جحاف، ومن ثم إلى مدينة الضالع.. بينما المملكة المتوكليَّة اليمنيَّة الزيدية تأسست في القرن التاسع عشر وتحديدًا عام 1868م، أي أن إمارة الضالع، ككيان سياسي مستقل، سبقت قيام المملكة المتوكلية اليمنية بستمائة عام.
*الضالع ترسم حدودها
في عهد الأمير شايف بن سيف بن عبدالهادي حسن الأميري، استطاعت إمارة الضّالع أنَّ ترسم حدودها السّياسية في شهر مايو من العام 1903م مع ولاية اليمن العثمانيّة كأوّل إمارة جنوبيِّة تكون لها حدود دوّلية مع المملكة المتوكليّة اليمنيَّة التي كانت تحت الانتداب العثماني قبل أن تكون مملكة في عام 1918م، كما جاء في تقرير لجنة الحدود الأنجلو – تركية.
عند المفاوضات التي سبقت معاهدة فبراير 1934م بين الإمام يحيى بن حميد الدِّين، ملك المملكة المتوكليّة اليمنيّة، وحكومة عدن البريطانية، وكذا عند توقيع المعاهدة، لم يتم الحديث عن سلطنة البيضاء وإمارة الضالع، لا شفويًا ولا كتابيًا، أيّ أنّهما لم تدخلا في مجال التبادل المزعوم، والافتراء الكاذب ومحاولة تزييف الحقائق، بأن توقيع معاهدة 1934م جرى فيها تبادل البيضاء مع الإمام مقابل الضالع، ففي هذه الحالة، أيّهما الأجدر للإمام يحيى الحصول على سلطنة العواذل التي كان آنذاك أثناء المفاوضات باسطًا عليها، أم إمارة الضالع وملحقاتها التي كان قد هزم جيشه فيها وخرج مطرودًا منها عام 1928م..!!
*روايات استأصلها القلم
بالعودة إلى الوثائق التاريخيّة والعقل والمنطق، فبريطانيا هي من أهملت وتركت سلطنة البيضاء الجنوبيِّة لشأنها طالما وسلاطينها لم يجددوا توقيع المعاهدة معها، ولم يستنجدوا بها، فعن أي تنازل مزعوم يمكن أن يذهب إليه البعض!، فهو حديث عبارة عن سراب ليس له أدلة لا على الواقع ولا في الوثائق أو المراجع والكتب التاريخيّة، وإن من يستند إلى أقوال الزيود التي يبثّونها بتعصب وبأطماع الحكم والسيطرة (الحق الإلهي المزعوم الذي يعتبرون أنفسهم أئمّة الجزيرة العربيّة ككل)، فإننا نؤكد بأن القلم والورق يخجلان من هذه الكتابات، لأن رواياتهم قد استأصلها القلم وبترها التاريخ، ولا يوجد لها أي سند تاريخي يثبت صحتها، ويمكن تسميتها بالخزعبلات الزيدية التي تستند إلى روايات وهمية ليس لها أيّ سند تاريخي يثبت حقيقتها..!
*تزوير التاريخ
يفترض أن يكون ما تم تدوّينه تاريخيًّا صحيحًا يكتبه مؤرخون ثقات، لا يعرف الزيغ أو الميل والهوى إلى أقلامهم سبيلًا، ولكن وكما هو معلوم أن روايات الزيود تمّ تدوّينها على مقولة: “التاريخ لا يكتبه إلّا المنتصرون”، بل وسادتها عمليات التزوير وطمس الحقائق والهويّة والمرجعيّة الجنوبيِّة، فنحن حينما نقلب صفحات كتب غير الطائفة الزيدية، نجد الكثير من الشواهد التي تؤكد ذلك التزييف في الأحداث التاريخيّة في التاريخ الحديث والمعاصر بسبب الميولات المذهبيّة والطائفية.
*اتفاقية الأنجلو ـ يمنية
لم تذكر معاهدة الصّداقة والتعاون المتبادل في 11 فبراير 1934م (الأنجلو ـ يمنية، The Anglo-Yemeni)، أيّ تبادل جرى بين (حكومة المملكة المتوكليّة اليمنيّة Government of the Kingdom of Yemen) و (حكومة عدن Government of Aden)، بخصوص إمارة الضالع وسلطنة البيضاء، اللتان تعتبران أراضي جنوبيِّة، حسب كل الوثائق والسِّجلات السّندات والخرائط (العُثْمانيّة والبريطانية)، بعد عملية ترسيم الحدود بين مناطق الشمال والجنوب بواسطة اللجنة المشتركة (الأنجلو ـ تركية بين أعوام 1901 ـ 1904م)، وأكّدتهما اتفاقية الحدود السّياسية بتاريخ 9 مارس 1914م(الأنجلو ـ تركية The Anglo-Turkish)، التي وقّعت في لندن بين الباب العالي التركي ومجلس العموم البريطاني، واعتمدت من قبل (عصبة الأمم The League of Nations) بجنيف سابقًا، الأمم المتحدة حاليًا، وهي في حقيقة الأمر حدود سياسية بين (المناطق الخاضعة للسيطرة التركية والمناطق الخاضعة للسيطرة البريطانية)، صارت حدودًا سياسية وواقعًا ملموسًا إقليميًّا ودوليًا.
*مقتطفات من كتاب “عدن”
كتاب (عـدن Aden) لمؤلفه السير/ توم هيكنبوثام (Sir Tom HicKintham)، المندوب السامي البريطاني، حاكم مستعمرة عدن، تعريب الدكتورة منال سالم حلبوب، والذي عمل كضابط عسكري وسياسي في الجنوب لفترة طويلة من الزمن، والذي سنتطرق إليه في هذه الأسطر، حيث يقول في الفصل الرابع من كتابه (عـدن Aden): “كانت أوّل رحلة حقيقية لي داخل المحمية عام 1932م، عندما قدمت سيارتي إلى إمارة الضالع، عاصمة الإمارة التي تحمل نفس الاسم.
صورة قديمة للسلطان صالح بن حسين بن جعبل، سلطان العوذلي وهو يلقي كلمة في إحدى الاجتماعات
صورة قديمة للسلطان صالح بن حسين بن جعبل، سلطان العوذلي وهو يلقي كلمة في إحدى الاجتماعات
الضالع هذا الاسم الذي يستمر في الظهور في الصحف اليومية في هذه الدولة نتيجة للغارات اليمنيّة (جيش الإمام الزيدي) في المنطقة، وكانت الغارات اليمنيّة غير معتادة على تلك المدينة حتى تلك الأيام (انتهت بتحرير إمارة الضالع من الاحتلال الزيدي عام 1928م)، وعند وصولي إمارة الضالع تبادلت مراسم التحيّة مع مندوب الأمير نصر بن شايف بن سيف الأميري”.
*رحلتي إلى مكيراس
ويضيف قائلاً: “كانت رحلتي الثانية داخل المحمية رحلة ذات ملامح مختلفة إلى حدٍ كبير وجاءت بعد هذه الرحلة بما يقرب من عامين. لقد ركبت الطائرة إلى (مكيراس)، وكانت مكيراس ولا زالت عاصمة هضبة العوذلي، وعندما وصلنا استقبلنا السلطان الشاب صالح بن حسين بن جعبل وعمه، القائم بالوصاية، والوصي على عرش السلطان محمد بن جعبل، أمّا والد السلطان، حسين بن جعبل العوذلي، فقد قتل بعدها بعدة سنوات في مكان غير بعيد من مكيراس في نزاع قبلي تافه مع الرصاصين سلاطين البيضاء الخاضع للحكم الزيدي، تلك القبيلة التي تقع على جانب اليمن من الحدود الراهنة”.
وأشار إلى أن “السلاطين قد قدّموا شكرهم للمندوب السامي ولبريطانيا على جهودهم التي قاموا بها نيابةً عنهم خلال محادثاتهم مع إمام اليمن من أجل توقّيع معاهدة 1934م، والتي اشترطت فيها حكومة عدن التوقيع على المعاهدة كشرط أن يتم إخلاء القوات الزيدية من كل سلطنة العواذل، وفعلا تم ذلك وعلى إثره انسحب الإمام بجيشه وبعدها تم التوقيع على المعاهدة”.
*اليمن مقاطعة تركية
ويتابع بالقول: “في عام 1872م أصبحت اليمن، للمرّة الثانية في تاريخ الدولة المزعج، جزءا من الإمبراطورية العُثْمانيّة، وبقيت مقاطعة تركية حتى نهاية الحرب العُظمى في 1914 ـ 1918م، وفي عام 1902م قرّرت الحكومة البريطانية والباب العالي التركي أنه من الأفضل تحديد ورسم الحدود بين المقاطعة التركية لليمن وأراضي الحكام الذين لديهم علاقات تعاهدية مع حكومة جلالته، بمعنى آخر، محمية عدن، ولكن بحلول عام 1903م وصلوا إلى الضالع عاصمة الإمارة التي تحمل نفس الاسم والتي أصبحت في علاقة تعاهدية مع حكومة جلالتها في تاريخ 2 أكتوبر 1880م (بعد أن وقع أميرها علي مقبل عبدالهادي الأميري، اتفاقية حماية مع التاج البريطاني)، وفي عام 1904م انسحبت اللجنة الحدودية المشتركة (الأنجلو ـ تركية)، وتم إنهاء رسم الحدود على أبعد نقطة عالية من الشمال الشرقي لمدينة قعطبة اليمنيّة، (وفي 28 ديسمبر 1904م، وقعت بريطانيا اتفاقية حماية أخرى مع أمير الضالع شايف بن سيف بن عبدالهادي الأميري)”.
صورة توضح قصف الطيران البريطاني للقلعة العثمانية بالضالع عام 1928م
صورة توضح قصف الطيران البريطاني للقلعة العثمانية بالضالع عام 1928م
*المعاهدة التركية الإنجليزية
ومضى يقول في كتابه: “على إثر ذلك، فقد تم رسم المزيد من الخطوط على خريطة شبه الجزيرة العربيّة، جميعها بألوان مختلفة، واللون يُعدّ شيئا هاما، لأن عادة رسم الخطوط على الخريطة هي عادة معدة ومعروفة، لذلك أصبح كل من الخط المرسوم والخط البنفسجي هما الحد الفاصل بين دوائر التأثير في شبه الجزيرة العربيّة، تلك الدوائر الخاصة بالإمبراطورية التركية والإمبراطورية البريطانية. ولقد تم التوقّيع على الاتفاقية بواسطة كل من الحكومتين في لندن بتاريخ (9 مارس 1914م)، وسمّيت باسم المعاهدة التركية الإنجليزية”.
*سلطنة البيضاء
وأردف المؤلف في كتابه (عدن Aden) قائلاً: “هناك خلاف حاد وقع على هذا الخط من الحدود بجانب محمية عدن، وكان ذلك في أوائل فترة العشرينيات، عندما اجتاح إمام اليمن سلطنة البيضاء التي يحكمها السلطان (الرصاصي Rassasi)، والتي تقع على جانب المحمية في (الخط البنفسجي) بين ولايات المحمية التي يحكمها سلطان العواذل والولايات التي يحكمها شريف بيحان، ولم يكن السلطان الرصاص موقعًا على علاقات تعاهدية مع الحكومة البريطانية، (وكان والده قد وقّع معاهدة أوّلية مع بريطانية، ولكن لم يجددها ابنه)، وكان يعرب عن رغبة قوية في دخول علاقة تعاهدية في عام 1914م، عندما دخل سلطان العواذل في هذه العلاقة معنا، ولكن حكومة بومباي بعد الرجوع إلى حكومة الهند (التي تتبعها حكومة عدن)، التي لم تكن مستعدة لتوفير المائة 100جنيه لكي تدفعها سنويًا، والتي كان يصرّ سلطان الرصاص (البيضاء) عليها كمنحة سنوية مقابل التوقّيع على المعاهدة مع بريطانية”.
وأضاف المؤلف: “إن السلاطين من (آل الرصاص) لم يتوقفوا عن الندم على الفشل في المفاوضات التي كان سببها حكامهم، والحاكم الحالي للسلطنة أصبح سجينا لدى إمام المملكة المتوكليّة اليمنيّة في صنعاء”.
*تحرير إمارة الضالع وملحقاتها
ويواصل السير/توم هيكنبوثام في الفصل الخامس من كتابه سرد الحقائق التاريخيّة حول هذه الحقبة الزمنية قائلا: “إن بريطانيا ساعدت إمارة الضالع وملحقاتها عام 1928م بطرد جنود الإمام الزيدي اليمني من الإمارة بواسطة طيران سلاح الجو الملكي، وأنه في عام 1933م كانت سلطنة العوذلي في أيدي قوات الأئمّة الزيدية، وتتبع العرف التقليدي لهم، وأن الإمام الزيدي أخذ بعض الرهائن من سلطنة العوذلي، ومنهم الابن الأكبر الوصي على عرش العوذلي كرهائن لدى الإمام يحيى بن حميد الدِّين، ملك المملكة المتوكليّة اليمنيّة ووضعهم مقيدين بشدة بالسلاسل في سجن البيضاء (المقر الرئيسي لحكومته)، كضمانة حية للسلوك الجيد لأقاربهم في وطنهم”.
*شروط توقيع معاهدة 1934م
ويتابع في الفصل الخامس من كتابه بالقول: “إن (السير برناد ريللي حاكم عدن 1930 ـ 1940م Sir. Bernard Reilly)، قد قاد مفاوضات معقدة مع الإمام يحيى، كان الشرط الأوّل للتوقيع عليها هو انسحاب قوات الإمام الزيدي من سلطنة العوذلي كشرط لإبرام معاهدة 1934م(الأنجلو ـ يمنية)”.
ويواصل المؤلف سرد الحقائق التاريخيّة عن سلطنة العوذلي العليا والسفلى في الفصل السابع صفحة 134، حيث يقول: “عندما قاوم (أهل دمان)، وهم الفصيل التابع للسلطان العوذلي صالح بن حسين، قاموا وبتحريض من سلطات المملكة المتوكليّة اليمنيّة بإعاقة لربط عاصمة العوذلي (لودر Loder) مع (نصاب Nisab) بطريق سيارات أو معدات. لقد خافت حكومة إمام اليمن من تلك الاتصالات الجديدة التي سوف تفعل الكثير من أجل تعزيز المحمية، والتي بطريقة سوف ترتبط بموارد البترول المزعومة في (بيحان). وتم فعلا إطلاق النيران، وعند إظهار القوة من قبل قوات جيش (الليوي Levis) التابعة لمحمية عدن هرب المتمردون من (آل دمان) عبر الحدود لكي يتم مكافأتهم وتشجيعهم ودعمهم من سلطات الإمام في البيضاء، والتي تبعد ثلاثة عشر ميلا فقط من مكيراس، ومن اليمن قام المتمردون من (أهل دمان) بحملة من الهجمات على دولتهم في المساء، ثم عادوا إلى قاعدتهم في اليمن قبل طلوع الفجر”.
 
نقلاً عن صحيفة الايام
الصادرة في ٢٨-١١-٢٠١٧

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى