آراء جنوبية

أخي الجنوبي: إستفتي قلبك وأن افتوك!

أدهم الغزالي

كاتب وناشط جنوبي
المتابع لحركة التحرر الوطني في الجنوب يجد أن هذا الشعب العربي الأصيل صاحب إرادة وعزيمة وإصرار فولاذي على تحقيق أهدافه، فمنذ خمسينيات وستينات القرن الماضي وما قبلها عاش شعبنا حراكه الثوري التحرري، هذا الحراك ابتدأ بغزو المستعمر البريطاني لعدن في عام 1839م حتى وصل إلى تحقيق الاستقلال السياسي الناجز في ال 30 نوفمبر 1967م وهذه الفترة الطويلة مليئة بالدروس والعبر لمن أراد أن يفهم ويستفيد من وقائع وحقائق التاريخ المهمة، وبعد تحقيق الاستقلال عاش شعبنا خلال فترة 23 عام معركة مصيرية من أجل البناء وتحقيق النماء والرخاء بعد ان ذاق الأمرين خلال فترة الاستعمار البغيض، ولكن للأسف حالت الصراعات الدولية والإقليمية دون ذلك وأيضا حال عدم فهم واستيعاب قيادات الدولة الفتية للمتغيرات الداخلية والخارجية بالشكل المطلوب عائق أمام تقدم الدولة في مسيرة البناء ووصل الأمر إلى تفجير صراعات عبثية كانت للايادي الخارجية العابثة دور فيها حتى وصل بنا الحال إلى ما وصلنا إليه ودخلنا نفق مظلم ولسنا بصدد ذكر الاخطاء في هذا المقال الآن ولكن للتذكير والتنبيه، لأن ما نراه في الأفق حاليا شبيه إلى حد كبير بما حدث في مراحل سابقة..
أن الاحداث التي شهدها الجنوب منذ الاجتياح الظالم والاحتلال الغاشم من قبل جيش عفاش وميليشيات الاصلاح الارهابية وقطعان القبائل الهمجية المتخلفة في حرب صيف 1994م كفيلة بأن تجعلنا نراجع حساباتنا في اي عمل يخص الشمال حتى لا نقع في فخ جديد يتم العمل عليه اليوم في بعض المطابخ السياسية داخليا وخارجيا.
وللتذكير فقد خرج شعبنا بعد حرب 1994م رافضا للواقع القسري الذي فرض عليه ولكن تم قمعه بالقوة العسكرية حتى انفجر الغضب الشعبي العارم في 2007م عندما انطلق الحراك الجنوبي الشعبي السلمي بكل قوة، وهذا ما جعل نظام عفاش وأركان حكمه يكشرون عن انيابهم و واجهوا تحركات شعبنا السلمية (العفوية) بكل قواتهم العسكرية من دبابات ومدفعية ورشاشات كانت توجه إلى صدور شباب ورجال الجنوب العزل من السلاح في المسيرات السلمية وحدثت مجازر بشعة بحق شعبنا ترتقي إلى أن تكون جرائم ضد الانسانية، ولكن المؤلم في ذلك أننا لم نسمع أي إدانة من دول الأشقاء في الإقليم او من دول العالم الأخرى والسبب ان لغة المصالح كانت فوق كل اعتبار، ولكن عندما أرادت مشيئة الله عز وجل للمصالح ان تتغير تغيرت معها الكثير من الموافق، وشاءت الأقدار ان يتفجر الصراع في الشمال على السلطة بين حلفاء الأمس ضد الجنوب (اعداء اليوم) وشربوا من نفس الكأس التي اشربوا شعبنا منها، ولأن لغة المكر والخداع والخيانة هي السائدة بين اولئك (الاخوة الاعداء) فقد تم انشاء تحالفات جديدة ولكن هذه المرة تمثلت التحالفات مع ميليشيات عقائدية منظمة وخطيرة عمل الراقص على رؤوس الثعابين على توجيهها والزج بها جنوبا حيث عاثت فسادا كبيرا ودمرت مدن الجنوب بالتعاون مع قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي وشردت الناس ولكنهم واجهوا شباب الجنوب كالاسود الضارية ودارت معارك غير متكافئة عدة وعتادا ولكن إصرار شعبنا وعزيمته القوية المعهودة في كل المراحل حالت دون تحقيق مخطط العدو المتمثل بالسيطرة على كامل أرض الجنوب وبالتحديد السيطرة على مضيق باب المندب والتحكم بطرق الملاحة الدولية وتم طرد ميليشيات الأعداء شر طردة بفضل الله عز وجل أولا وأخيرا ثم بفضل مساندة دول التحالف العربي الذين أتوا دفاعا عن أمنهم القومي وحماية مصالحهم في المنطقة من خطر التمدد الايراني، واجتمعت مصالح شعبنا مع مصالح الاشقاء في دول التحالف وكسرنا التمدد الايراني في الجنوب في الوقت الذي لا يزال النفوذ الإيراني قويا في الشمال من خلال ميليشيات الحوثي الموالية لطهران التي تسيطر على الشمال بشكل شبه كامل..
وبعد ثلاث سنوات من الحرب لا زال الجنوب وسيبقى محررا بإذن الله فيما لا زال الشمال تحت وطأت الميليشيات الحوثية المنفردة بالقرار هناك خصوصا بعد أقدامهم على اعدام الرئيس السابق (المخلوع) علي عبد الله صالح قائد عصابة 7 يوليو الأسود التي احتلت الجنوب ودمرت دولة بكافة مؤسساتها المدنية والعسكرية وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ وسرحت الموظفين من أعمالهم في أبشع الجرائم الجماعية التي ارتكبت بحق شعبنا، ولأن الأيام دوارة والله يمهل ولا يهمل فقد نال المخلوع قدره ولسنا بصدد التشفي ولكنه عبرة لمن اعتبر، وكما يقال بأن السياسة هي الفن الممكن فقد خرج الزعيم الهالك قبل ايام من مصرعه في حديث مغتضب اعلن فيه تخليه عن شركاءه الحوثيين وفض العقد معهم، ومن خلال ذلك الخطاب المتلفز الذي عمل على مغازلة دول التحالف وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة رأينا البعض مستبشرا وفرحا وكان عفاش هو المخلص والمنفذ بل ذهب البعض إلى تصويره بالبطل القومي ووجه بعض الكتاب سهامهم جنوبا وذلك إرضاء للعناصر الموالية لعفاش النافذة شمالا متهمين الحراك الجنوبي بالتعامل مع إيران متناسين بأن الزعيم الهالك هو نفسه من ادخل ميليشيا الحوثي إلى دماج وعمران وانتهاء بالعاصمة صنعاء وسائر محافظات الشمال وهو نفسه من وجههم جنوبا، ولكن شاء الله تعالى ان تكون نهاية هذا الطاغية على أيدي هذه الجماعة المتمردة ولقي مصرعة بعد ثلاثة ايام من الترويج له وبعدها خابت آمال الكثير و تحطمت أحلامهم وخصوصا اولئك الحانبين في تباب نهم واخواتها وعيونهم على الجنوب..
اليوم وبعد كل الأحداث المأساوية التي شهدها اليمن شمالا وجنوبا نسمع خطب وخطابات عاطفية لدغدغة مشاعر الجنوبيين الهدف من هذا الاستعطاف والاستنجاد خصوصا بالمقاومة الجنوبية هو لغرض الزج بها في عمق الشمال وإضعاف قوتها وتشتيتها على أكثر من جبهة وهذا ما سيجعل الجنوب بدون أي غطاء عسكري قوي وبالتالي سيأتي جيش مأرب الذي يتم تجهيزه للانتقضاض على الجميع (ميليشيا الحوثي شمالا – المقاومة الجنوبية جنوبا) وفرض واقع جديد بالقوة والنتيجة ان شعبنا في الجنوب بالاخير سيعود إلى مربعات النضال الأولى في حال تم فرض هذا السيناريو وهذا أسوأ الاحتمالات ولهذا وجب التنبيه…
قبل الختام
نوجه ثلاث رسائل الأولى لابناء شعبنا الجنوبي ومقاومته الباسلة.
يا أبناء شعبنا الجنوبي العظيم لقد ذقتم مرارة الألم والمعاناة والحرمان والإقصاء والتهميش والتشريد خلال ربع قرن من الزمن 1994م – 2015م (فترة حكم عفاش للجنوب) ومن عام 2015م – حتى اليوم من حرب الميليشيات الحوثية وما ترتب عليها، كما أنكم بعد كل هذه المعاناة والصبر الطويل قد ذقتم حلاوة النصر المؤزر على تلك الجحافل الغاشمة، فلا يغركم اليوم خطب الذين يطالبون من مقاومتكم الباسلة التوجه شمالا لاستهلاكها فيما يتم إعداد جيش جرار في مارب وجهته صنعاء وعيونه على عدن والجنوب ويهدف حال انتصرت معركة الشمال وتشتت قوات المقاومة الجنوبية إلى فرض أمر واقع على الجنوب شبيه بواقع ما قبل 2011م ان لم يكن مثله وان اختلفت الوجوه، كما نرجوا من قيادات المقاومة الجنوبية الأبطال اللا ينجروا وراء أي دعوات مشبوهة، ويعملوا على ترتيب صفهم والتحول من العمل العسكري العادي كمقاومة إلى عمل مؤسسي حقيقي يتمثل ب بناء المؤسسات العسكرية والأمنية بناء يتوافق مع متطلبات المرحلة حتى تكون قادرة على مواجهة أي تحديات قادمة وأول الخطوات توحيد القيادة العسكرية وإعداد برنامج موحد للتدريب والإعداد والتاهيل والسير خطوة خطوة حتى نصل الى مرحلة بناء جيش جنوبي حقيقي يحمي الحمى ويدافع عن مكتسبات الشعب.
الرسالة الثانية : إلى اشقاءنا في دول التحالف العربي نقول فيها…
إن تضحياتكم في اليمن لن تذهب هدر ومن اجل تعزيز الانتصارات التي تحققت يجب ان تكون شراكتنا حقيقية قائمة على التعاون المشترك وأول الخطوات الذي نطالبكم بها هي بناء مؤسسات أمنية وعسكرية حقيقية وقوية في الجنوب تستطيع مجابهة أي أخطار محتملة وهذا يتطلب دعم حقيقي على أعلى المستويات.
وحتى نستطيع ان نحمي الإنجازات التي تحققت في الجنوب نحن بحاجة إلى تشكيل ألوية معززة ومدعومة بأسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدفعية وصواريخ ارض ارض وغيرها من الأسلحة النوعية وعندنا آلآلف من العسكريين المدربين من أصحاب الخبرات والكفاءات العلمية في مختلف التخصصات العسكرية يستطيعون إدارتها وقيادتها وتحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع أما الدعم بالاطقم والعربات لا يكفي، وكلما كان الدعم نوعي كلما ترسخت العلاقات أكثر وأكثر، أما بالنسبة ما يخص تقدم مقاومتنا الجنوبية في العمق الشمالي نعتقد أن هذا فيه صعوبة حاليا نتيجة للأوضاع الخدمية والمعيشية السيئة التي يعاني منها شعبنا في الجنوب، لا رواتب منتظمة ولا خدمات متوفرة بالشكل الكافي، فكيف نغامر وندخل معركة غير محسوبة النتائج…!؟؟
وكما عهدتم رجالنا وشبابنا في مواقف كثيرة منذ بدء عاصفة الحزم وحتى اليوم لم تجدوا إلا كل ما يسركم وها هم شبابنا يسطرون ملاحم بطولية ويحققون انتصارات في الساحل الغربي( باب المندب حتى محافظة الحديدة) عكس ما يحدث في مآرب وغيرها من الجبهات المجمدة في الشمال ولكن نرجوا ان تاخذوا موقفنا بعين الاعتبار وتقدموا دعم حقيقي في الداخل الحنوبي، نريد دعم في بناء مؤسسات الدولة عسكرية ومدنية حتى نستطيع النهوض وأن لا تخذلونا في مراحل لاحقة..
الرسالة الثالثة والأخيرة لاخوتنا أبناء الشعب في الشمال (ابناء الجمهورية العربية اليمنية)
نقول فيها أننا نشاطركم الألم الذي تعيشونه ونقدر حجم تضحياتكم منذ انتفاضتكم المباركة في 2011م وحتى اليوم من أجل الخلاص من الظلم ونعترف بثورتكم ضد الطغيان كما نرجوا منكم احترام تضحياتنا والاعتراف بثورتنا واحترام قرارنا من أجل مستقبل يقوم على الاحترام المتبادل فيما بيننا بعيدا عن الحروب والمشاكل وبناء أفضل العلاقات الأخوية فيما بيننا، وفي هذا الوقت العصيب الذي تعيشونه فإننا نشد على أيديكم وندعو كافة القبائل في الشمال إلى الفزعة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الدولة والنظام الجمهوري كما ندعو الجيش الوطني في مأرب إلى القيام بواجبه تجاه شعبه في الشمال والتقدم لتحرير صنعاء والمحافظات التي تحكمها مليشيات الحوثي وعدم استهلاك الوقت واستنزاف التحالف في تباب نهم ومارب وما حولهما.
ختاما..
ان التغيير عملية معقدة وليس مجرد حدث عابر يتم استهلاكه في وسائل الإعلام فقط، ونحن في الجنوب نعيش عملية التغيير الحقيقية منذ 2007م وحتى اليوم وثورتنا التي بدأناها ستاخذ مجراها الطبيعي رضي من رضي ورفض من رفض، ونأكد على أننا سنكون في صف التحالف لمحاربة الإرهاب في الجنوب ومحاربة المد الإيراني والإسرائيلي في المنطقة…
والله الموفق والمستعان..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى