مقالات

دفء المشاعر يتناسب عكسيا مع برودة الجو..

د. سناء مبارك

اديبة جنوبية
على الأقل هذا مالاحظته اليوم في يوم الفالنتين الذي يبدو وكأن أحدا لايعيره اهتماما هنا في شمال الكوكب.
او ربما يكون الظلام هو السبب ..الظلام يلف الأفق، ما أكثر الظلام هنا، وما أصعبه، كثيف وكثير، طويل ومعنوي، فعلي وأصيل
تغيب الشمس في الشتاء عند الرابعة مساءً، وتشرق في الثامنة صباحًا، ثلتا اليوم في الحلكة، لك أن تتصوّر كيف تتسلّل عوادم الكآبة إلى رئتي كلما تكاثف دخان هذا الليل..
في المرة الأولى التي وطئت فيها هذه البلاد شعرتُ باختلافي، كحبة الفلفل إن وضعتها وسط الحليب، لاهي بهّرته ولا هو لبّنها، أما الآن وقد أصبحنا جميعًا في قلب الصحن المحروق، لا يهم كيف تبدو بشرتي الحنطية وسط هذا التدفق الأبيض، صدقني جميعنا نغرق في جوف هذه الأرتال من الملابس الصوفية، وأطنان من البلادة، والكثير الكثير من العمى.
في أيامي الأولى هنا اخبرتني امرأة عربية التقيتها صدفة أخبرتني بحماسة كيف يجب أن أتعلم “الشتيمة” قبل أن اتعلم قول “صباح الخير”، علّلتْ ذلك بأني سأكون مضطرة للدفاع كثيرًا عن اختلافي هذا. والآن أتساءل أين هم من يجب أن أشتمهم؟ لا أحد يحدق، لا أحد يتحدث، لا أحد يبتسم، لا أحد يتنمر، لا أحد يهتم.
جموع بشرية نمضي في سبيلنا، نفكر فيما يجب أن نفعله غدًا، عن أعمالنا المتراكمة، الأقساط المؤجلة، المواعيد ومتطلبات العيش في بلد بيروقراطي كما يقول الكتاب.. سيكون من المضحك أن تعرف بأني تعلمت الشتائم كلها في انتظار المشتومين، كما يجهز أحدنا قضيته التي لا قاضي فيها ولا قضاء، على كل حال هذه الفكرة تبقيني متأهبة، ألعب دور المسن الذي ينظف سلاحه كل يوم في انتظار اللص، اللص الذي لا يجد في بيت هذا العجوز إغراءً بالسرقة.
تعرف عزيزي، افتقد فكرة المخاصمة، أن أغضب من أحدهم ويغضب مني، أن نتشاجر، أن سوءًا للفهم يحدث بينك وبين الناس، أن يصرخ الناس في وجهك وتصرخ في وجههم، أنّ تبصق في ظهر السيارة التي تجاوزتك، انْ تلعن ثرثرة نساء الحي، أنْ تتأفف من فضول هذا ومن كذب ذاك، أن تحقد جارتي على طلتي في حفل الزفاف، أن يغيظ صديقتي تفوقي، أن يغير علي أو مني أحد..
بقدر ماهي المحبة جميلة واللطف رائع والكلمة الحسنة دواء، لكنك عندما تحاط بالنوع السلبي من المشاعر، الأحاسيس التي يحتاج النزوع إليها كمّـًا كبيرًا من تجاوز الفطرة إلى نقيضها، كم لا يتوفر في قلب أحدهم إلا إذا كنت مسيئاً جدًا بالتحديد أو جيدًا جدًا في العموم، لأن الجهد الذي سيبذله أحدهم ليكرهك أو يحاربك كبير، يتطلب منه اهتمامًا ليس بالهين، وهوسًا ليس بالسهل، ذلك أن الكره أكثر كلفة من المحبة، والحقد أكثر كلفة من التسامح، والحسد أكثر كلفة من المنافسة، تشعر وأنت تدامك هذه الأشياء بأنك لازلت محطًا للاهتمام بنوعه الصعب، أنك على درجة عالية من الاستحقاق، أنك إنسان ولست ماكينة، ماكينة خالية من العيوب، ماكينة تتعرض للصيانة باستمرار، ماكينة في بطنها ما يكفي من الوقود، لديها تأمين ضد الأعطال، ماكينة لا يحبها ولا يكرهها أحد.
احتاج المشاعر يا عزيزي، أي نوع منها سيكون جيدا، ولكني اختار الصعب، في يوم الحب ..هل رأيت أحدا غيري يبحث في جيب الكون حتى عن الكراهية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى