عامان من انقلاب النيجر.. بازوم محتجز وتياني يخشى نفس المصير

سمانيوز/وكالات
يمضي الرئيس النيجري المنتخب محمد بازوم عامه الثاني مُحتجزًا في عزلة تامة داخل قصر الرئاسة في نيامي، منذ الإطاحة به في انقلاب عسكري في 26 يوليو 2023، قاده عبدالرحمن تياني، قائد الحرس الرئاسي آنذاك.
ورغم مرور عامين على الانقلاب، لا يزال بازوم يرفض الاستقالة، في موقف أربك قادة السلطة العسكرية، الذين لم يفلحوا حتى الآن في إيجاد مخرج لأزمته المُتفاقمة، وفق تقرير نشرته صحيفة “لوفيجار” الفرنسية، الأحد 20 يوليو 2025.
رئيس محتجز.. وآخر منقلب يخشى المصير ذاته
يعيش تياني في حالة من القلق المستمر، خشية الإطاحة به، وقد بات يتجنب الظهور العلني ويتحصن داخل مقر الرئاسة، حيث لا يبعد عن بازوم سوى أمتار قليلة. ويتلقى زيارات نادرة ويُحاط بعزلة متزايدة في ظل تصاعد الانتقادات لضعف أدائه، ليس فقط من الشارع، بل من داخل الدوائر العسكرية والسياسية.
فالأوضاع في النيجر تدهورت بشكل حاد خلال العامين الماضيين. حيث فشلت السلطة العسكرية في الوفاء بوعودها، وتعرضت البلاد لعزلة دولية.
وتتفاقم الهجمات الجهادية، بمعدل يقدَّر بمقتل 15 مدنيًا يوميًا، بينما تزداد المعاناة الاقتصادية نتيجة إغلاق الحدود، وتدهور الخدمات، وتأخير رواتب الموظفين، وقمع الحريات، وسياسيًا، تم حلّ جميع الأحزاب، بينما اتسعت الفجوة بين الحكومة والمجتمع، في أبريل 2025، تسببت خطوة فرض اللغة الهوسا كلغة وطنية في إشعال مشاعر الإقصاء بين الأقليات، ما زاد من حدة الاحتقان.
دعم متضائل من الخارج
تجد السلطة العسكرية في نيامي نفسها معزولة عن غالبية المجتمع الدولي، وتستند فقط إلى علاقات مع مالي وبوركينا فاسو، حيث تحكم أيضًا أنظمة عسكرية منبثقة عن انقلابات، وحتى بين الحلفاء، لم يسلم تياني من المقارنات المحرجة، إذ يفتقر للكاريزما، ويُنظر إليه على أنه قائد باهت، وعاجز عن تقديم حلول.
أنا الرئيس بازوم فتحوّل إلى عبء ثقيل على النظام، فهو لا يزال رمزًا للشرعية الديمقراطية، ويتمسك بشرعيته كرئيس منتخب، وقد سعت السلطة إلى محاكمته بتهمة “الخيانة العظمى” بعد أن رفعت عنه الحصانة الرئاسية في يونيو 2024، لكن دون إصدار حكم عليه حتى اليوم.
بعض المراقبين يحذرون من أن استمرار اعتقاله قد يجعله “نيلسون مانديلا” جديدًا، فيما يبدو إطلاق سراحه مخاطرة سياسية بالنسبة للنظام، إلا أنه أيضًا قد يكون مخرجًا لتخفيف الضغط الداخلي والخارجي.
دور الرئيس السابق إيسوفو
تسلط الضغوط حاليًا على الرئيس الأسبق محمدو إيسوفو (2011–2021)، الذي كان يُنظر إليه على أنه نموذج للتداول السلمي للسلطة في إفريقيا، بعد أن تخلى عن الرئاسة طوعًا، لكن تتعالى اليوم أصوات تتهمه بلعب دور أساسي في الانقلاب ضد بازوم، الذي كان حليفه السياسي والمقرّب منه.
يُشتبه بأن إيسوفو دعم تياني سرًا، لحماية مصالحه ومصالح ابنه ساني، وزير الطاقة السابق، خاصة فيما يخص السيطرة على قطاع النفط، وقد فُضح أمره في منتدى “مؤسسة مو إبراهيم” الذي عُقد بمراكش في يونيو 2025، حيث وجّه له المؤسس لومًا علنيًا وطالب بالإفراج عن بازوم.
تأثير “مراكش”: ضغوط لتغيير المعادلة
شهد المنتدى إحراجًا شديدًا لإيسوفو، وسط دعوات لسحب جائزة الحوكمة التي منحته إياها المؤسسة في السابق، وبعد تلك الحادثة، تحرّكت وساطات جديدة، بينها قادة أفارقة، ومبعوثون أوروبيون، وحتى شيخ الأزهر الشريف الذي طُلب منه التوسط لدى تياني.
كما عادت نيجيريا إلى لعب دور في الوساطة، بالتزامن مع تحركات من رئيس ساحل العاج الحازم الحضور في هذا الملف، إلى جانب محاولات قطرية غير مثمرة حتى الآن.
عُزلة داخلية وغضب في النخبة
في تطور لافت، دعا تياني، في 12 يونيو، كبار القادة السياسيين والعسكريين إلى اجتماع سري في القصر الرئاسي، لمحاولة كسب الدعم، إلا أن الاجتماع شهد انتقادات حادة من الحضور، أبرزها تدخل الجنرال سالو جيبو، الذي وصف إيسوفو بـ”أكبر خائن في تاريخ النيجر”، وتساءل عن سبب حضوره رغم كل ما سبّبه من دمار.
كما طالب الرئيس الأسبق محمد عثمان بأدلة على مزاعم “التدخل الغربي”، قائلًا إن “دولة جادة لا تحكمها الإشاعات”.
النظام العسكري على حافة الانهيار
يرى مراقبون أن احتجاز بازوم هو أكثر من مجرد أزمة سياسية، بل “مأساة وطنية”، فقد جاء إلى السلطة على خلفية برنامج طموح يشمل مكافحة الفساد، وتحسين التعليم، وتمكين النساء، وتوفير الوظائف. ومع أنه من أقلية عربية (قبيلة أولاد سليمان)، فقد نجح في تمثيل وحدة وطنية حقيقية.
لكنه اليوم يعيش في ظروف احتجاز قاسية، محروم من أشعة الشمس والدواء، بينما تتدهور حالته الصحية.
ويتفق المراقبون، وفقًا للصحيفة، على أن مصير بازوم قد يشكل نقطة تحوّل للنظام في النيجر. فاستمراره رهينة يزيد من عزلة المجلس العسكري، ويعمّق الأزمة الداخلية. وقد لا يكون إطلاق سراحه حلًا سحريًا، لكنه قد يفتح نافذة لإنقاذ البلاد من الانهيار.