سقطرى تحت الاحتلال الإخواني: خديعة “الشرعية” التي أسقطها الجنوبيون في 19 يونيو

سمانيوز/هشام صويلح
لم يكن تحرير أرخبيل سقطرى في 19 يونيو 2020 مجرد عملية أمنية حاسمة، بل كان تتويجًا لصراع معقّد دار في الظل لسنوات، بين مشروع إخواني تسلل تحت عباءة ما تسمى “الشرعية اليمنية”، وشعب جنوبي صامت كان يترقب لحظة الانفجار. لقد خُطّط لسقطرى أن تكون قاعدة نفوذ معزولة، ومختبرًا لصيغة الاحتلال الجديد الناعم، لولا أن الوعي الشعبي وقوة التنظيم المحلي أسقطا المؤامرة قبل اكتمالها.
هذا التحقيق الاستقصائي يفتح ملف “التمكين الإخواني” في سقطرى قبل 2020، ويكشف تفاصيل ما جرى، استنادًا إلى شهادات ميدانية وتصريحات صادرة عن شخصيات فاعلة، في ذكرى التحرير الخامسة.
كيف بدأ التغلغل الإخواني في سقطرى؟
منذ العام 2012، ومع تصاعد نفوذ حزب الإصلاح ذراع الإخوان في اليمن في مفاصل الحكومة بعد ثورة 2011، بدأ العمل على إخضاع سقطرى تدريجيًا، عبر تعيينات مركزية منحازة، وتحويل موارد الجزيرة ومرافقها لصالح كوادر حزبية مرتبطة مباشرة بجناح قطر وتركيا.
المرحلة الأخطر بدأت عام 2015 مع اندلاع الحرب، حيث استغل الإخوان انشغال التحالف العربي بالمواجهات الحربية، ووسعوا نفوذهم داخل مؤسسات الدولة في سقطرى.
د. صدام عبدالله وثّق هذه المرحلة قائلًا:
“المليشيات الإخوانية حاولت فرض سيطرتها على كل مناحي الحياة في سقطرى، من خلال الاستحواذ على مؤسسات الدولة، وتقاسم الموارد، وإقصاء الكفاءات المحلية، مما خلق حالة من التوتر والقلق.”
التمكين الأمني.. تحويل الجزيرة إلى ثكنة حزبية
الاختراق الأخطر كان في القطاع الأمني. فقد تم تجنيد عناصر حزبية على أساس الولاء لا الكفاءة، فيما أُبعدت القيادات الأمنية الجنوبية، أو همّشت داخل الجزيرة. حتى المساعدات الإماراتية في البنية التحتية أُعيقت بقرارات إخوانية تصدر من مكتب محافظ محسوب على الجماعة.
أحد المراقبين ذكر أن:
“حكم مليشيات الإخوان اليمنية في سقطرى لم يسقط وحده، بل سقط معه مشروع كامل من العنف والتجنيد والعبث.”
وقد تم توثيق حالات تجنيد قسري، ونقل عناصر من خارج الأرخبيل إلى داخل وحداته الأمنية، في خرق صارخ للخصوصية السكانية.
مرحلة الاختطاف الناعم.. باسم الدولة
لم يكن الإخوان يرفعون رايتهم بشكل مباشر، بل عملوا خلف لافتة “الشرعية اليمنية”، التي كانت في تلك المرحلة خاضعة تمامًا لجناحهم داخل الرئاسة والجيش، وهو ما أتاح لهم أن يصوروا مشاريعهم بأنها قرارات رسمية.
الإعلام الجنوبي وصف تلك المرحلة بـ”الخديعة الكبرى”، إذ بدا وكأن التغيير الذي يحصل في الجزيرة قانوني، لكنه في جوهره تغييب تام لأبناء سقطرى.
د. صدام عبدالله أكد ذلك بقوله:
“تحرير سقطرى لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل ثمرة إرادة شعبية قوية لأبناء سقطرى الذين رفضوا الخضوع لمشاريع تهدف إلى سلخ الجزيرة عن هويتها وتاريخها الجنوبي.”
اللحظة الفارقة.. انتفاضة 19 يونيو 2020
في منتصف يونيو من عام 2020، حدث ما لم يكن في حسبان الإخوان: انتفض أبناء الجزيرة بدعم مباشر من المجلس الانتقالي الجنوبي، وبدفع من القوات المسلحة الجنوبية، ووقعت المواجهة الحاسمة.
المقدم محمد النقيب قال:
“حين انتفض أبناء سقطرى في مشهد بطولي، ملتفين حول قيادتهم الشجاعة وأبطال قواتهم المسلحة الجنوبية، واجهوا مشروع الاحتلال الإخواني الذي حاول اختطاف الجزيرة وطمس هويتها.”
وقد سقطت المؤسسات التي كانت تحت السيطرة الحزبية الواحدة تلو الأخرى، دون أن تستطيع ما تسمى بـ “الشرعية” الدفاع عنها، لأن قرار المواجهة اتخذ على الأرض، لا في دهاليز المفاوضات.
التحرير.. استعادة الكرامة لا الأرض فقط
بحسب سعيد ضمداد، الناشط الحقوقي السقطري:
“ما جرى في 19 يونيو 2020 هو انتصار للهوية الجنوبية واستعادة للكرامة، وتأكيد أن الجنوب لا يُستباح.”
وهذا ما أكده أيضًا بن قبلان بقوله:
“تحرير الجزيرة كان انتصارًا تاريخيًا على مشروع الفوضى والهيمنة، وأثبت أن إرادة الشعوب لا تُكسر.”
سقطرى ما بعد التحرير.. من الشك إلى اليقين
أعقب التحرير تحول حقيقي في بنية السلطة داخل الأرخبيل. تمكين الكفاءات المحلية، إحياء المشاريع المتوقفة، استقرار أمني شامل، ونشاط ملحوظ في السياحة.
راسم سعد، الناشط السياسي، لخص ذلك بقوله:
“سقطرى تنعم بالأمن والاستقرار منذ تحريرها من الإخوان، وشهدت انتعاشًا سياحيًا لافتًا.”
في حين رأى د. صدام عبدالله أن:
“الاستقرار لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة جهود كبيرة وتفعيل للمؤسسات، وبدعم واضح من التحالف العربي.”
الأبطال.. من الميدان إلى الشهادة
التحرير لم يكن مجانيًا. فعدد من شباب الأرخبيل استشهدوا في مواجهات أو اغتيالات نفذتها أذرع الإخوان. من أبرز الأسماء الشهيد طاهر علي عيسى السقطري، الذي قضى في كمين غادر.
نشطاء سقطريون قالوا:
“الانتصار تحقق بدماء الأبطال وعلى رأسهم الشهيد طاهر، الذي استُهدف لأنه رفض الرضوخ للإخوان.”
ومن أبرز رموز النضال والتحرير أيضًا، العميد علي ناصر لعوش الكازمي، رئيس عمليات اللواء الأول مشاة بحري، وأحد أبرز من تصدوا للمشروع الإخواني في سقطرى.
اعتُقل الكازمي في وقت مبكر من قبل قوات الاحتلال اليمني عام 1993م، وكان من أوائل الرافضين للوحدة القسرية، ومن أبرز من مهّدوا عسكريًا وإداريًا لتحرير الجزيرة.
توفي في أبريل 2021، لكنه ظل حتى وفاته رمزًا للمقاومة الجنوبية في سقطرى وصاحب موقف حاسم ساعد على حسم المعركة لصالح الهوية والقرار الجنوبي.
الإعلام.. شريك في معركة التحرير
الصحافة الجنوبية كانت سلاحًا حاسمًا في تفكيك خطاب التضليل الإخواني، وفي فضح عمليات القمع والإقصاء.
صالح جميل قال:
“في مثل هذا اليوم، استردت سقطرى كرامتها، وأثبت أبناؤها أن الوعي والثبات أقوى من مشاريع الفوضى.”
الختام: درس من سقطرى.. الوعي أقوى من الاحتلال
تُظهر التجربة السقطرية أن الاحتلال الناعم، القائم على تجريف المؤسسات من الداخل، أخطر من الغزو المباشر. لكنها أيضًا تثبت أن الإرادة الشعبية قادرة على قلب الموازين.
صدام عبدالله اختتم رؤيته بقوله:
“الذكرى الخامسة لتحرير سقطرى ليست مجرد احتفال، بل تأكيد على حق أبناء الأرخبيل في العيش بكرامة، وتحقيق تطلعاتهم في التنمية والازدهار.”
وفي مواجهة مشاريع الترويض الجديدة التي قد تظهر مجددًا بأقنعة جديدة، تبقى سقطرى – كما قال أحد النشطاء – “شامخة، وموطنًا للأمن، ومرتعًا للسياحة، وحصنًا للهوية الجنوبية”.