تقارير

« مشروع استعادة الدولة الجنوبية ».. محاذير من استمرار مسلسل إفراغ الجنوب من كوادره المؤهلة وقياداته الميدانية

سمانيوز / تقرير

لقد أخفى اتفاق 22 مايو 1990م بين سطوره نوايا يمنية خبيثة مشفرة حاكتها صنعاء ضد الجنوبيين،
كان ظاهر الاتفاق وحدة شعبين وباطنه “ضم وإلحاق”.. الاستيلاء على أرض وثروات الجنوب، وإقصاء وتهميش وإزاحة كوادره عن المشهد.

لم يخضع اتفاق الوحدة لفترة انتقالية، وكان حزب الإصلاح “إخوان اليمن” الذي تأسس عقب توقيع الوحدة اليمنية مباشرة (ضد أيديولوجي للإشتراكي اليمني)، مجرد واجهة سياسية يخفي بين زواياه عصابات إجرامية تتحرك وفق فتاوى دينية تصدر عنه، أباحت صنعاء عبرها دماء قيادات الاشتراكي بذريعة اعتناقهم الفكر الماركسي الملحد.

باشر حزب الإصلاح في تنفيذ عمليات اغتيال وملاحقة للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية الجنوبية، بدءاً بقتل العميد ماجد سيف مرشد الصبيحي مستشار وزير الدفاع هيثم قاسم طاهر في 21 يونيو 1992م، وسحل جثته والتمثيل بها في شوارع صنعاء. كما تم اغتيال السياسي الجنوبي حسن الحريبي.
وتعرض كبار القادة الجنوبيون لمحاولات اغتيال، بدءاً من الرئيس علي سالم البيض، مرورًا بحيدر العطاس وياسين سعيد نعمان وسالم صالح محمد وأنيس حسن يحيى وعلي صالح عباد (مقبل).
وبحسب مصادر رسمية، فقد بلغ عدد الذين تعرضوا للاغتيال في تلك الفترة التي سبقت اجتياح الجنوب، أكثر من 160 من الشخصيات السياسية والعسكرية الجنوبية المنتمية للحزب الاشتراكي اليمني.

وعقب اجتياح الجنوب في العام 1994م، تضاعفت وتيرة الاغتيالات ضد الجنوبيين، تعرض خلالها العشرات من الضباط الجنوبيين لاغتيالات غامضة، تم تحميل مسؤوليتها للتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة، ولكنها لم تخلُ يوماً من الأبعاد السياسية، وشاب الكثير منها الغموض كاغتيال الدكتور “عبدالعزيز السقاف” عام 1999 بدهسه في شارع حدة بصنعاء. ورغم مرور ما يقارب ثلاثة عقود على بعضها، ورغم تبدل الحكومات والأنظمة، فإنّ تفاصيل الكثير من عمليات الاغتيال لا تزال طي الكتمان، وغير معروفة تفاصيلها، خاصة تلك التي استهدفت قيادات عسكرية جنوبية كانت على هرم السلطة، وقيّد ملفات الكثير منها ضد مجهول. كما تم التخلص من الكثير من القيادات العسكرية الجنوبية بينهم قيادات ألوية ومحاور عسكرية، عن طريق زجهم في حروب صعدة الستة، وذهبت الكثير من القيادات الجنوبية وقودًا لذلك الصراع.

إفراغ الجنوب من قياداته السياسية:

عقب اجتياح الجنوب في العام 1994م، تم تشريد أغلب قيادات الجنوب السياسية والعسكرية والأمنية، وتعرض البقية للإقصاء والتصفية الجسدية، وتم إفراغ الجنوب من أغلب كوادره بجميع القطاعات، واستبدالها بأخرى يمنية أو من الخونة والعملاء الجنوبيين. تم تشريد العديد من قيادات الجنوب، بمن فيهم الرئيس علي سالم البيض، واللواء هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع، وحيدر أبو بكر العطاس، رئيس الوزراء، وسالم صالح محمد وياسين سعيد نعمان وعبد الرحمن الجفري، والقائمة طويلة لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً، وعاث المحتل اليمني فساداً وسرقةً وعبثًا بمقدرات ومكتسبات الدولة الجنوبية.

الاغتيالات التي رافقت ثورة الحراك السلمي الجنوبي 2007م:

استمرار مسلسل اغتيال كوادر الجنوب كشف الوجه القبيح لسلطة صنعاء، وأعطى إشارة واضحة إلى فشل تجربة الوحدة اليمنية عقب أن لُطخت بدماء الجنوبيين، ولكن الإقليم والعالم لم يستوعب تلك الحقيقة.

لم تقف الاغتيالات عند استهداف القيادات العسكرية والسياسية المعروفة، كما جرت العادة قبل وبعد غزو الجنوب في العام 1994م، بل تعدى ذلك لاغتيال ناشطين سلميين، وشباب الحراك السلمي الجنوبي في وضح النهار.
وبحسب دراسة لمركز سوث24، فإن عدد عمليات الاغتيالات التي نفذتها قوات نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأجهزته الاستخباراتية، ما بين عام 1995 إلى 2007، ضعف عدد من تم اغتيالهم ما قبل حرب 1994م، في حين تمت أكثر من 126 عملية اغتيال من عام 2009 إلى 2013، بحق ضباط عسكريين وأمنيين جنوبيين.

أما بالنسبة لنشطاء وكوادر الحراك السلمي الجنوبي، فقد طالت عمليات الاغتيال الكثير منهم، منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات السلمية في الجنوب عام 2007م، راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف مواطن جنوبي، بين مدني وعسكري، تعرضوا للتصفية الجسدية، إما بالرصاص الحي، أو بواسطة مسلحين على دراجات نارية، أو بواسطة الحقن الوريدي كالذي تعرض له الناشط في الحراك الجنوبي بالعاصمة عدن “أحمد الدرويش”، الذي تم اقتياده إلى سجن البحث الجنائي بخور مكسر في شهر يونيو عام 2010، وهناك تعرض للتعذيب ومن ثم التصفية، عبر حقنه بحقنة فارغة سببت له شللاً نصفياً استمر لساعات قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفقًا لما صرحت به منظمات حقوقية دولية ومحلية.

وبالأسلوب ذاته تم اغتيال القيادي في الحراك السلمي الجنوبي خالد الجنيدي، الذي تعرض هو الآخر للملاحقة من قبل أطقم تتبع الأمن المركزي، ونفذت بحقه عملية اغتيال ميدانية، اعتبرتها منظمة العفو الدولية إعداماً خارج إطار القانون. وقالت المنظمة حينها إنه يجب على السلطات اليمنية إجراء تحقيق في إعدام ناشط سياسي رميًا بالرصاص.

كذلك جرت حالات تصفيات أخرى لا تقل بشاعة، كاغتيال القيادي في المجلس الوطني محمد محسن كباس، الذي تم تعذيبه وتصفيته في أحد معسكرات الجيش اليمني بالضالع، وفقًا لما أفاد به ناشطون، قبل أن يتم إعادته جثة هامدة إلى المكان ذاته الذي أصيب فيه.
كذلك الناشط في الحراك الجنوبي علي صالح الحدي، الذي تم محاصرة منزله ليلًا ومحاولة اقتحامه، ليخوض معهم معركة غير متكافئة انتهت باستشهاده. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل جرى سحل جثته والتمثيل بها، وتم إفراغ عشرات من طلقات الذخيرة في جثته.
كذلك الناشط في الحراك الجنوبي سيف علي غالب، الذي جرى اغتياله في أحد شوارع الضالع، ولم يتم الاكتفاء بقتله، بل قامت فرقة الاغتيال بدهسه والمرور فوق جسده بالسيارة التي تمت بها عملية التصفية.

اغتيالات عقب الغزو الحوثي عفاشي 2015م:

ناهيك عن آلاف الجنوبيين الذين سقطوا بين شهيد وجريح أثناء معركة التصدي للغزو الحوثي عفاشي للجنوب غير المتكافئة في العام 2015م، حيث شهدت العاصمة عدن وعدد من محافظات الجنوب اغتيالات، تمت عبر سيارات مفخخة أو بواسطة عبوات لاصقة أو دراجات نارية أو مسدسات كاتمة للصوت، تجاوز عددها أكثر من 400 حالة، توزعت بين قيادات عسكرية وأخرى أمنية وجنود عاديين، ورجال دين وشخصيات سياسية، وقيادات في السلطات المحلية، وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيادات في المقاومة الجنوبية.

اغتيالات ما بعد حرب 2015م، تورط فيها تخادم الحوثيين والإخوان والعفاشيين، عبر أذرعهم القاعدة وداعش، بحسب تقارير موثقة. كان أبرزها اغتيال محافظ عدن الأسبق، اللواء جعفر محمد سعد، في 6 ديسمبر 2015 بسيارة مفخخة استهدفت موكبه غرب العاصمة عدن.

وأخذت الاغتيالات في الفترة الأخيرة أشكالًا مختلفة، تعددت الجهات التي أشيرت نحوها أصابع الاتهام، كما تعدد المتبنون لها، بينما اتفقت جميعها على استهداف القيادات العسكرية والسياسية الجنوبية، ومحاولة إفراغ الجنوب من كوادره.

وتورط الحوثيون بشكل واضح في الكثير من هذه الاغتيالات، واستخدمت الطائرات المسيرة والصواريخ في تنفيذها، حيث استهدفت عدداً من القيادات العسكرية في منصة قاعدة العند بطائرات مسيرة أثناء إقامة عرض عسكري في يناير 2019م، راح ضحيتها عدد كبير من القيادات العسكرية الجنوبية البارزة، يتقدمهم اللواء صالح الزنداني نائب رئيس هيئة الأركان العامة، واللواء محمد صالح طماح مدير الاستخبارات العسكرية، وعدد آخر من القيادات العسكرية.

كما تبنى الحوثيون استهداف القيادي البارز العميد منير اليافعي المعروف بـ”أبو اليمامة”، قائد اللواء الأول دعم وإسناد، بصاروخ متوسط المدى استهدفه شخصيًا أثناء إقامة عرض عسكري لقواته بمنطقة صلاح الدين بالعاصمة عدن في العام 2019م، وراح ضحية الاستهداف عدد كبير من القيادات والجنود.
وقبله اغتيال اللواء أحمد سيف اليافعي نائب رئيس هيئة الأركان في 22 فبراير عام 2017م. وكذا اغتيال العميد عبد اللطيف السيد في أغسطس 2023م، والقائمة تطول.

تخادم إخواني حوثي عفاشي:

تمكنت القوات الأمنية الجنوبية من القبض على عدد من منفذي عمليات الاغتيال، بينما لاتزال بعضها غامضة حتى الآن. وكشفت التحقيقات تورط المدعو “أمجد خالد” قائد لواء النقل بشكل رئيسي بالكثير من عمليات الاغتيال، وفقًا للاعترافات التي نشرت للمهتمين الذين تم القبض عليهم.
وكانت حادثة اغتيال العميد الركن محمد ثابت جواس، واعتراف الخلية المنفذة للعملية بناءً على أوامر الإخواني الإرهابي أمجد خالد، قد أكدت مدى صحة ما يشاع عن تخادم إخواني حوثي لتنفيذ الاغتيالات في الجنوب.

لم يسلم الصحفيون من موجة الاغتيالات تلك، كالصحفي نبيل القعيطي الذي تم اغتياله بجانب منزله بدار سعد بالعاصمة عدن، وناشطون على وسائل التواصل مناهضون للأفكار الدينية المتطرّفة كعمر باطويل، وشخصيات دينية بارزة كالشيخ عبدالرحمن العدني والشيخ الراوي وغيرهما.

عمليات انتقائية تطارد الجنوبيين:

بحسب تقارير موثقة، استمر مسلسل الاغتيالات التي استهدفت قيادات جنوبية حتى عقب إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي، بحكومة المناصفة وبمجلس القيادة الرئاسي المشكل في 7 أبريل 2022م، بل تصاعدت وتيرتها أكثر، ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على الأبعاد السياسية لتلك العمليات التي تستهدف إفراغ المشهد الجنوبي من الكوادر المحترفين.

توصل مراقبون إلى قناعة راسخة في أن من يقف وراء هذه الاغتيالات ليس طرفًا واحدًا بل أطرافًا يمنية عدة جمعها قاسم مشترك، تبدأ بنظام علي عبدالله صالح، مرورًا بحزب الإصلاح (إخوان اليمن) وما يمتلكه من نفوذ وتأثير في الجماعات المسلحة كتنظيم القاعدة، وانتهاءً بالحوثيين، وجميعهم تدفعهم رغبة جامحة في استمرار السيطرة على الجنوب.

مؤخراً، أخذت عمليات إفراغ الجنوب من كوادره وقياداته الميدانية المؤمنة بمشروع استعادة الدولة الجنوبية طابعاً آخر، عبر حياكة وإلصاق التهم الكيدية لتشويه السمعة وتأليب الرأي العام المحلي والخارجي ضدهم، أمثال اللواء شلال علي شائع الذي أقيل من منصبه على خلفية تهم كيدية، وكذا العميد جلال الربيعي أركان قوات الحزام الأمني، قائد قوات الحزام في العاصمة عدن، الذي يتعرض في الوقت الراهن لتهم كيدية وحملات تشويه على منصات التواصل الاجتماعي وبوسائل إعلام إخوانية وحوثي عفاشية، على خلفية وفاة الشيخ أنيس الجردمي.
لهذا يتعين على المجلس الانتقالي الجنوبي الاستفادة من الدروس والتجارب السابقة، والعمل على تحصين كوادره قدر المستطاع، وتعزيز الجانب الاستخباراتي وتطهيره من العناصر المندسة، وتكثيف الدورات الداخلية والخارجية للكوادر الأمنية والعسكرية والاستخباراتية الجنوبية، وسد الثغرات أمام القوى المعادية.

ختاماً..
لم تكتفِ القوى المعادية للجنوب بتجويع وإفقار شعب الجنوب، بل تسعى لاستهداف قياداته وكوادره بجميع القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية، لإعادة إنتاج المشهد الذي أعقب حرب صيف 94م، لاسيما والجنوب لا يزال فضاء مفتوحاً أمام التيارات اليمنية. وازداد الوضع خطورة مع إعادة فتح الطرق واستئناف تهريب الأسلحة والعبوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى