تقارير

تقرير دولي: “الواقع اليمني” بين مشروعين سياسيين مختلفين يُستحال دمجهما..!

سمانيوز / تقرير

يبدو أن ما يدور على الساحتين اليمنية والجنوبية أصبح حديث وسائل الإعلام الدولية الشرقية والغربية، خصوصًا مع تصاعد الهجمات الحوثية على خطوط الملاحة الدولية، التي بدورها لفتت انتباه العالم إلى موقع اليمن على الخريطة الدولية. وبالنظر من زاوية أخرى لمجريات الأحداث، يرى محللون أن الحوثي بهجماته تلك قدم خدمة مجانية كبيرة للجنوبيين، كيف ذلك؟ التفتت أنظار العالم إلى اليمن، أمعن الباحثون والإعلاميون الدوليون وكل من لديه شغف لمعرفة أدق التفاصيل الحاصلة في اليمن، شماله وجنوبه، النظر في تفاصيل كل ما يحدث، لامسوا الحقيقة المخفية أو المغيبة ونقلوها كما هي إلى بلدانهم، فأصبحت حماقات الحوثي عاملاً مساعداً في تدويل قضية شعب الجنوب.

لا شيء مخفي عن أنظار العالم، فالصورة على أرض الواقع واضحة ولا تحتاج إلى شرح وتفسير، كل شيء عاد إلى وضعه الطبيعي الطوعي تلقائياً. ومن خلال البحث في صفحات التاريخ القريبة قبل 3 عقود، والاطلاع على واقع حال الشمال والجنوب قبل العام 1990م، نجده يحاكي الوضع القائم على الأرض في الوقت الراهن، الوضع آمن مستقر إذا ما استمر هكذا ويصبح دموياً متازماً في حال إعادة فرض الوحدة اليمنية على الجنوبيين بالقوة، أو العكس،.

عقب اطلاع الأوساط السياسية والإعلامية الدولية وإلمامها بتفاصيل ما يحدث شمال وجنوب اليمن، باشرت في تشخيص الوضع والبحث عن الحلول والمقترحات التي تراها مناسبة لرفع الأزمات، وإعادة الأمن والسلم الدوليين إلى تلك المنطقة المضطربة غير الآمنة.

الفشل المركب وصيغة الحل الواقعي:

أواخر سبتمبر 2025م، أصدر المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي تقريراً سياسياً، أعده رئيس المركز عالم السياسة الروسي “دينيس كوركودينوف”، عن واقع الحال في جنوب وشمال اليمن بشكل عام، تحت عنوان (الفشل المركب وصيغة الحل الواقعي)، أشار خلاله إلى أن اليمن منذ العام 2015 يرزح تحت أزمات متداخلة، فشلت معها كل المحاولات السياسية والعسكرية لإعادة بناء الدولة أو تحقيق السلام. وفي قلب هذا الفشل، برزت التحديات الكبرى بين الجنوب والشمال، والتي أثبتت السنوات الماضية استحالة تجاوزها بصيغ الشراكة القسرية.

الحلول المفروضة بضغوط خارجية فاشلة:

وأضاف التحليل أن الحلول المفروضة فشلت، وفي مقدمتها فشل اتفاق الرياض (2019) الذي وُقّع بضغوط خارجية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة “الشرعية”، لكنه لم يُطبق إلا جزئياً، وانتهى عملياً بتوسع النفوذ العسكري الجنوبي وانهيار الالتزام بالشراكة السياسية، وكذا فشل نقل السلطة (2022)، والذي تمثل في قرار نقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، لم يحقق أي من أهدافه. فالمجلس ظل عاجزاً ومشلولاً بفعل التباين العميق في الرؤى بين أعضائه وغياب الشرعية الشعبية أو القانونية لبعضهم.

مؤكداً فشل الحكومات المتتالية منذ 2015، حيث لم تحقق تلك الحكومات المتعاقبة أي تحسين في الوضع الأمني أو الاقتصادي، وباتت تعيش في عزلة تامة عن الشعب، وتتحرك وفق حسابات فئوية أو مناطقية، لا وطنية.
وأشار التحليل إلى فشل مجلس القيادة الرئاسي، حيث إن هذا المجلس الذي شُكّل كـ”حل توافقي” أثبت عدم قدرته على الفعل، وتحول إلى مظلة صراع لا إدارة. تهميش الجنوبيين، واحتكار القرار من بعض الأطراف، وانعدام الإجماع، جعله غير قادر على الاستمرار.

تشخيص الوضع والحلول المقترحة:

وشخص رئيس المركز الروسي الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، دنيس كوركودينوف، في تقريره السياسي والاستراتيجي حول الجنوب واليمن عامة، الواقع السياسي الحالي بأنه يسير وفق الآتي:
– الحوثيون يسيطرون على الشمال عسكرياً وسياسياً.
– الشرعية الشمالية مشتتة بين فنادق الخارج وعدن ومأرب دون مشروع حقيقي.
– الجنوب محرر ويشهد سيطرة شبه كاملة للمجلس الانتقالي الجنوبي سياسياً وعسكرياً.
– لا توجد أي صيغة ناجحة للتعايش السياسي بين الشمال والجنوب، حتى مرحلياً.
– الوضع الاقتصادي والأمني ينهار، والفقر والجوع ينتشران، بينما النخب السياسية في غياب تام.

وعقب تشخيص “كوركودينوف” الوضع شمال وجنوب اليمن، في سياق تقريره، باشر إلى وضع المعالجات قائلاً: ما المطلوب عمله استراتيجياً من التحالف العربي؟ على دول التحالف، وتحديداً السعودية والإمارات، أن تعترف بحقيقة فشل الصيغ السابقة، وأن الوقت حان للانتقال إلى حل واقعي يتمثل في:
1. الاعتراف الكامل بحق الجنوبيين في إدارة أرضهم ومصيرهم.
2. دعم حوار جنوبي شامل وصادق تقوده قوى الجنوب، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، لتشكيل حكومة جنوبية مستقرة.
3. تشكيل حكومة “شمال” للحرب أو السلام، تتخذ من مأرب مقراً، تجمع فيها جميع القوى الشمالية المناهضة للحوثي.
4. القبول بأن هناك مشروعين سياسيين مختلفين لا يمكن دمجهما:
– مشروع جنوبي يسعى لاستعادة الدولة.
– مشروع شمالي غير واضح وممزق بين صراعات حزبية وأمراء حرب.
5. الإقلاع عن تكرار الفشل بتجريب صيغ شراكة مشوهة ومفروضة، فقد أثبتت التجربة من 2015 حتى 2025 أنها غير قابلة للنجاح.

بناء واقع جديد قائم على الوضوح، لا الوهم:

واختتم رئيس المركز الروسي الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، دنيس كوركودينوف، تقريره بالقول: إن الواقع قد أثبت أن الجنوب اليوم هو الكيان السياسي والعسكري الأكثر تنظيماً واستقراراً. بينما الشمال لا يزال في قبضة الحوثيين أو في حالة شتات. الاستمرار في خلط المشروعين سيؤدي إلى مزيد من الانهيار والتمزق، والحل يبدأ من الاعتراف بهذه الحقيقة والعمل على بناء واقع جديد قائم على الوضوح، لا الوهم.

خبير أمريكي يدعو لدعم الانتقالي الجنوبي بمنظومة دفاع جويّ لمواجهة الحوثيين:

الباحث الأمريكي، مايكل روبين، درس وشخص الوضع اليمني، شماله وجنوبه، ووصل إلى قناعة تامة بضرورة دعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالقدرات العسكرية والتقنية، باعتبارها القوة الأكثر فاعلية في مواجهة ميليشيات الحوثي الإرهابية، وحماية الجنوب من استهداف المسيرات الحوثية.

جاءت دعوة “روبين” في مقال نشرته صحيفة واشنطن إكزامينر الأمريكية مطلع أكتوبر 2025، حيث شدد فيه على أهمية تمكين القوات الجنوبية من امتلاك منظومات دفاع جوي وطائرات مسيّرة حديثة لمواجهة التهديدات الحوثية المتصاعدة.
وأشار الباحث الأمريكي إلى أن الحوثيين يحصلون على طائرات مسيّرة متطورة من إيران، ما يشكل خطرًا على الأمن الإقليمي والملاحة في باب المندب، مؤكدًا أن دعم المجلس الانتقالي الجنوبي يمثل ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار في اليمن والمنطقة بشكل عام.

وفي تحليل استراتيجي آخر نشره الكاتب الأمريكي مايكل روبين في مجلة “واشنطن إكزامينر”، دعا إلى تبني سياسة عسكرية حاسمة تجاه اليمن، مؤكداً أن مواجهة التمدد الحوثي تتطلب تسليح المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنشاء وجود عسكري أمريكي دائم في عدن.
وأشار التحليل إلى أن هزيمة الحوثيين لن تتحقق دون تزويد القوى الفاعلة على الأرض بالأسلحة النوعية، وخاصة الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي، محملاً المجتمع الدولي مسؤولية تعطيل المعركة ضد الميليشيات برفض توفير هذه الأسلحة للقوى القادرة على استخدامها بفعالية.

وأبرز التحليل المفارقة الصارخة في استخدام الحوثيين، بدعم إيراني، لنفس أنواع الطائرات المسيرة التي تستهدف بها إسرائيل، بينما يقف المجلس الانتقالي الجنوبي – كأكثر القوى نجاحاً في المواجهة – عاجزاً عن الحصول على أي دعم عسكري نوعي، مضطراً لشراء طائرات تجارية تخضع لرقابة صينية وأممية.

ولفت التحليل إلى أن اتفاقية ستوكهولم تشكل غطاءً لتمدد الحوثيين، بينما تتجاهل الولايات المتحدة وحلفاؤها طلبات المجلس الانتقالي الجنوبي للحصول على أنظمة دفاع جوي، مما يثير تساؤلات حول جدية الادعاءات الأمريكية والدولية بمواجهة التهديد الحوثي.

واختتم “روبين” تحليله، وبه نختم التقرير، بالتأكيد على أن تعزيز الاستقرار الإقليمي يمر حتماً عبر إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في عدن، وتمكين خفر السواحل الجنوبي، مشيراً إلى أن سلطات الجنوب ستستقبل بترحاب أي وجود عسكري أمريكي على أراضيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى