“عربٌ بوجه المحتل: إرث الغفلة وراية الخذلان”

كتب: سبأ الجاسم الحوري.
في صفحات التاريخ، خطّت الشعوب تضحياتها بمداد من دمائها، استبسلت لأجل الحرية، دفعت الأثمان في وجه غطرسة المحتل، وحولت صراخ الوجع إلى صيحات نصر. لكن وسط هذه الصفحات، تقف العرب كأمة حملت عار الصمت في مواضع توجب فيها الهتاف، وصمتت حيث كانت الكلمات تضاهي السيوف قوة وقطعاً. ما بين عروبة نخرتها شقوق التخاذل، وعزائم لم توهنها المكائد، تقبع الشعوب حائرة بين الإرث المشرف وواقع لا يُغتفر.
غفلة التاريخ وبطولات منسية عبر التاريخ العربي، لم تخلُ ساحات الشرف من أبطال رفعوا راية التحدي؛ تذخر الملاحم من صلاح الدين الأيوبي الذي استرجع القدس بعد معركة حطين في القرن الثاني عشر، إلى عمر المختار في ليبيا الذي واجه المستعمر الإيطالي بكلمات رنانة تعكس أمله في الأمة العربية. غير أن هذه البطولات باتت مجرد ذاكرة محفوظة على رفوف النسيان.
أمجاد الماضي أضحت مجرّد قصص تروى، وليست ملهمة للأجيال المتعاقبة. ألم تنل الشعوب حقها في استحضار العبر بدل أن تنجرف إلى غفلة ملأت الشوارع بصدى الخذلان؟
الخذلان السياسي بين غطرسة العدو وصمت العرب
لم يكن الاحتلال على مدار الزمن مجرد قوة غاشمة، بل مارس على الشعوب أبشع وسائل التطهير العرقي واغتصاب الأرض. يكفي أن نذكر فلسطين، التي وقعت تحت أنياب الصهيونية منذ 1948، حيث توالت المجازر بدءاً من دير ياسين إلى مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982. بينما جفت الهمم، ولم تهبّ الدول العربية من سباتها لتواجه هذا الواقع بغير مؤتمرات لا تسمن ولا تغني من جوع، مجرّد بيانات تستنكر وتدين، وصيغ لفظية باتت عبئاً ثقيلاً يثقل كاهل المكلومين.
ثمن الخذلان ومرايا الواقع المؤلم
لقد أثبتت مواقف الأنظمة العربية في شتى الأزمات أنها تجسد الخذلان المتعمد. ففي حين يتآمر العالم على شعوب تئن، تختار الأنظمة طرق السلام التي لا تتعدى مسرحية هزلية. ولنا في أزمة سوريا مثال صارخ؛ انقسم العالم لأطراف متنازعة، يتلاعبون بالشعب السوري وكأنهم في سوق مزايدات، بينما تقف الأنظمة العربية موقف المتفرج، أو المتواطئ، بل والأدهى من ذلك، الكاسر للأحلام المعلقة.
الخذلان ومسرح السخرية السياسية
إنّ مسرح “المفاوضات” الذي أُقيمت له أعمدة من الورق والخداع، أضحى جزءاً من مسرح السخرية السياسي. فالخذلان الذي أضحى رفيق الأنظمة العربية بدا واضحاً في كل محفل دولي، حين تناست هذه الأنظمة أنها كانت يوماً مهداً لأبطال حملوا أمانة الدفاع عن الكرامة.
أين نحن من وعدهم؟ أين شيم الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟ أيّ شرف حملناه إن لم نكن قادرين على مواجهة الخطر بقلوب ثابتة؟
التخاذل ليس قدراً محتوماً على هذه الأمة، ولا هو إرث يجب التمسك به. فالعروبة ليست مجرد شعار، بل رسالة، عزم ونداء يستدعي أن تتجسد في أرواح أبنائها. علينا أن نستفيق من غفلتنا، أن نجعل من دماء الشهداء وقودًا لمستقبل يليق بالأمة.