مليونية حضرموت: احتفال بمنجزات أمنية محتسبة لتجسيد هويتها الجنوبية المكتسبة

كتب:
د. أمين العلياني
في قلب التاريخ يُكتَب اليوم فصلٌ جديد من فصول الصمود الجنوبي، حيث تعلو الأصوات في حضرموت التاريخ والحضارة والوسطية والثقافة والعلماء والقادات الصناديد والقوات المسلحة الأشاوش كالرعد، مُحمَّلةً برسائل سياسية لا تُخطئها العين، ولا يُخفف من حدتها زمنٌ ولا غدر.
إنها مليونية 24 أبريل 2025، التي ليست مجرد احتفالٍ بذكرى تأسيس النخبة الحضرمية إحدى نواة الجيش الجنوبي، بل هي إعلانٌ صارخ بأن الهوية الجنوبية صخرةٌ صلبة لا تقبل التفتيت، وأن أي محاولة لطمسها أو تشويهها هي محض سرابٍ يتبدد أمام إرادة شعبٍ عرف معنى الكرامة، وذاق مرارة الاحتلال، ورفض أن يكون لقمةً سائغةً لأعدائه بمراحل من التاريخ القديم والحديث.
ـ حضرموت نفضت غبار الإرهاب
لتعود إلى حصن الجنوب:
لم تكن حضرموت يوماً أرضاً بلا تاريخ، ولا شعباً بلا إرادة، ففي 2015م، عندما اجتاحت قوات الاحتلال الشمالي مدعومةً بتنظيمات إرهابية، سُلمت المعسكرات والأسلحة والمؤسسات السيادية من دون قتال، وكأنما أرادوا لها أن تكون غنيمةً سهلة. تحولت المدن إلى ساحاتٍ للرعب، حيث أُزهقت الأرواح، وانتهكت الأعراض، وسُلبت الثروات تحت غطاء محاربة الإرهاب، بينما كان الإرهابُ الحقيقي يُدار بأيدٍ شماليةٍ تلبس زي العسكري نهارًا والرأية السوداء ليلًا وتظهر بالنهاية بتمثيل دور “المنقذ” ، لكن حضرموت، بأبنائها الصناديد، رفضت أن تكون ضحيةً لأكذوبة التاريخ الذي حاولت قوى الاحتلال اليمني الشمالي البغيض أن تلبسها إياه وهي معروفة بهويتها الجنوبية ووسطيتها الدينية وقيمها الأصيلة وسجاياها المسالمة وفكرها التنويري، وثقافتها الراقية ومبادئها الوطنية الثابتة ونضالها وكفاحها العظيم.
ففي 24 أبريل 2016، نهضت النخبة الحضرمية كالطوفان، بمساندة بإخوانها من محافظات الجنوب ومدعومةً من إخوتها في التحالف العربي وبإسناد لا يجازى من دولة الإمارات العربية المتحدة، لتمزق أقنعة المحتلين بأقنعتهم المتلونة بين العسكرية والأمنية والدينية، الذي جمعهم فكر الإرهاب المزدوج فكشفوا زيف ذرائعهم وأظهروا تنوعات فصائله التي تجمعها فكرة الإرهاب وتتبادل الخبرات العمل وتمثيل الادوار وتتناوب بتخادم المواقع واستلام السلاح، وبهذا لم تكن المعركة التي سطرتها قوات النخبة الحضرمية الجنوبية ضد الإرهاب فحسب، بل كانت حربًا على مشروعٍ احتلاليٍ يريد حضرموت أرضًا ممزقةً، وشعبًا ضعيفًا وهويةً مشوهة تصبح سهلة الابتلاع مرة أخرى بعد أن قد عرفوا أرضها لطول احتلالهم لها ما يقارب ثلاثين عامًا .
– النخبة الحضرمية:
من حماية الأرض إلى صيانة الهوية الجنوبية:
ومن هذا اليوم، وبعد تسع سنوات من التأسيس، تقف النخبة الحضرمية الجنوبية كـصمام أمان ليس فقط لأمن حضرموت، بل لضمير الجنوب كله، ليس لشيء وإنّما لأنهم أستطاعوا على تحويل الأرض من ساحةٍ للفوضى التي عبثت بها أيادي الإرهاب الزيدية الشمالية وأحزابها الإخوانية والحوثية إلى واحةٍ للأمان حتى صارت قلعةٍ للاستقرار. فقواات النخبة الحضرمية الجنوبية هي من طهَّرت السواحل من التهريب، وحمت المدن من المخدرات، وأعادت للجنوب روحه التي كادت أن تُغتال بفعل تلك التحالفات التي كانت وما زالت حتى اليوم تصدر إلى حضرموت هذا الوعي الإرهابي الدخيل على مجتمع لم يعرف عنه إلا الوسطية والاعتدال والسلام والتسامح.
ومن هنا فمليونية حضرموت لم تكن احتفالًا بما تحقق، بل هي رسالةٌ واضحةٌ لكل من يحاول العبث بهويتها الجنوبية ونخبتها الحضرمية حامية الأمن وصانعة المنجزات وحصن الأرض ضد الإرهاب والتشطير :
– إلى أؤلئك الأصناف الذين ما زالوا أسارى التاريخ القديم، ويحاولون استدعاءَ أحقاد ماضيهم، لتفخيخ حاضر أجيالهم، فالأجيال تقول لكم: إنها لا ولم ولن تسمح لكم بأن تكونوا سجناءَ ماضي لا هم عايشوه ولا شاركوا في مسيرته سلبًا أم إيجابًا، لكن نحن أمام مستقبلًا كي يُبنى بإرادة الأحياء، لا بأوهام الأموات.
– إلى دعاة السلطة الذين كانوا سببًا أو أحد أسبابه في المتاجرة بالصراع لكتابة سيرهم الذاتية: لن نكون وقوداً لأحلامكم الزائلة، فالشعب الجنوبي تعلم أن الانقلابات لا تبني أوطاناً.
– إلى دعاة التبعية، الذين يبيعون ضمائرهم لأجل المال: التاريخ سيذكركم كحواشٍ للاحتلال، لا كأبطالٍ للحرية.
أما أعداء الهوية الجنوبية من قوى الاحتلال الشمالي، فهم: !
– أعداء الهوية، لأنهم يخشون من يقظة شعبٍ يعرف من هو.
-أعداء الحق لأنهم بنوا دولتهم على سرقة ثروات الجنوب وإقصاء أبنائه.
-أعداء التاريخ لأنهم دمَّروا كلَّ جميلٍ في جغرافيا الجنوب وثقافته.
– رسالة من حضرموت إلى الجنوب والإقليم والعالم :
اليوم، تُوجِّه حضرموت رسالةً إلى أبنائها وإخوتها في كل محافظات الجنوب: كفانا تشظياً، فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، لهذا ندعو علماءنا ومفكرينا وقبائلنا وقواتنا إلى توحيد الصفوف، لأن التمزق لا يخدم إلا أعداءنا. لن نسمح لأحدٍ أن يُحوِّل حضرموت إلى ساحة صراعٍ بين الولاءات المزيفة، أو أن يجعل من ثرواتنا غنيمةً لأطرافٍ خارجية.
إن النخبة الحضرمية ليست مجرد قوة عسكرية امنية، بل هي نواةٌ لمشروعٍ جنوبيٍ متكامل يحمي الأرض، ويصون الهوية، ويبني المستقبل. ومن العار أن يُكافأ هذا الإنجاز بالتشكيك أو الخذلان. فحضرموت، التي احتضنت إخوتها الجنوبيين في أحلك الأوقات، تستحق اليوم أن تكون في قلب القرار الجنوبي، لا على هامشه.
خلاصة : النخبة قوتنا،، الجنوب هويتنا..والوحدة دربنا:
مليونية 24 أبريل ليست مجرد حدثٍ هامشيًّا بل هي إعلانٌ للتاريخ بأن حضرموت ستظل جنوبية الهوى والهوية، وأن أي حوارٍ مع من يحاول تشويهها هو حوارٌ مع الموت ذاته. فلنكن يداً واحدةً، ولنصنع من إرثنا النضالي دولةً جنوبيةً فيدرالية قوية، لأن المستقبل لا يُمنح للضعفاء، بل يُنتزع بقوةِ الإرادة، وصدقِ الانتماء وعدالة التمثيل.