مدرسة الشهيد عوض هيثم مجمل

كتب:
د. عوض محمد الشعبي
في قلب وادي شعب العرمي (منطقة الوسطي)، حيث تتمايل سنابل السحاب على قمم جبالها العاليات، هنا تقف مدرسة الشهيد عوض هيثم مجمل طيب الله ثراه شامخة كشموخ ابناءها، أنها منارة من العلم والمعرفة التي لا تنحني، وسارية الفكر التي لا تنكسر، تحرسها ذاكرة الأجيال الذين تخرجوا منها، وتحفّها هيبة المكان والزمان.
تلك هي مدرستنا، المدرسة التي يزهر الحرف في ذكراها كما يزهر العلم في حضرة القلم، مدرستنا لم تكن مبنية من أربعة جدران فقط، بل كانت وطنًا صغيرًا اختزلت جميع أبناء الوادي، ونضجت عقولهم في رحابها كما تنضج الفصول الأربعة ببطء، وبهيبة، وبصمت يتقن الاغواء.
من هيبتها، ووشاح وقارها، خرج الحرف الأول من بين شفتيا أبناءها كأنه المولود البكر، ومن بين جدرانها تنسج الاحلام بخيوط الاجتهاد والمثابرة، وتبنى الاوطان على أكتاف العقول النيرة.
من مدرستنا خرج المعلم الذي أخذ على عاتقه نشر فنون العلم والمعرفة وصنع الأجيال بكل أمانة واقتدار، كما خرج منها الدكتور الأكاديمي، والطبيب الذي يعكف على معالجة المجتمع وتخفيف اوجاعهم، والمهندس الذي يصمم ويبني لغد أجمل، والإعلامي الذي سخر قلمه ليعبّر عن هموم وطنه، بل وحتى الأب الذي لم يلاقي فرصة في مواصلة دراسته، يكفيه شرف أنه ربّى أبناءه على ما تعلمه بين صفوفها.
مدرستنا لم تكن مجرد مبنى من كتل حجرية وأعمدة خرسانية، بل كانت هي المهد الأول الذي في رحابها تنمو العقول، وتظهر الأرواح شغفاً بالعلم والمعرفة، بل هي الحضن الأول لجميع أبناءها، هي من عكفت على صنع المواهب والمبدعين، بل كانت ساحة للتنافس والمثابرة والمثالية في الأخلاق والتحصيل العلمي، بل هي ساحة لشحذ الهمم بين أبناءها، تدربهم على الإرادة، على الإبداع، وتحقيق الهدف إلى أبعد مدى.
في مدرستنا استطعنا أن نفك شفرات الحروف الأبجدية ونفرق بين (الألف) و (الباء)، ومن عطر قلم الرصاص كتبنا أسماءنا لأول مرة، وفيها قرأنا (اقرأ باسم ربك الذي علم بالقلم)، وفيها أدينا تحية العلم، وهتفنا بصوت وأحد تحيا اليمن.
في مدرستنا تعلّمنا أن الكرامة ليست كلمة تقال، بل هي درساً في كتاب تدون بين سطورة عبر الزمان، بل هي سلوك تنبع من حشائس الروح بالفطرة، علمتنا أن نتسابق في رفع أيدينا، كأنها سلاح الأقوياء، وراية بيضاء لا لنطلب من معلمينا فقط، بل لنُجيب بفخر، لنعترض، ولنستفسر ونسأل، ولنبني، ونقول نحن هنا.
مدرستنا العريقة، يا ذاكرة الوادي الحية، يا مهجة الروح وأم الأجيال، إليكِ يعود الفضل، في كل نجاحٍ وصلنا إليه وتردّد صداه في أنحاء المعمورة، وفي كل اسمٍ لامسَ القمم العاليات، مدرستنا يا من غرست في أبناءك أن العلم ليس غاية، بل رسالة خالدة، ستبقين فينا ما بقي الحنين، وما ظلت الشمس تشرق وتغيب فوق سماء وادينا، وما ظلت الحياة تمنح الفرصة لحلم جديد يولد من رحم الطباشير ورائحة المداد.
فلك المجد ما تعاقب الليل والنهار، ولك تراتيل الفخر والاعتزاز في كلّ من سار على هداك ليصبح قنديل منور في وطنه.