وسائل التواصل الاجتماعي.. هل قربتنا أم أبعدتنا؟

كتب: رائد الربيعي
لم يعد التواصل بين البشر كما كان سابقًا. في عصرنا الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، نستخدمها لنبقى على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، ونشارك أفراحنا وأحزاننا، ونبني علاقات جديدة. لكنها في ذات الوقت، طرحت أسئلة جدية حول مدى تأثيرها الحقيقي على جودة هذه العلاقات.
من ناحية، لا يمكن إنكار أن هذه الوسائل وسّعت دائرة معارفنا، وأتاحت لنا فرصًا للتواصل مع أشخاص بعيدين جغرافيًا، وأحيانًا ثقافيًا، كانت شبه مستحيلة في السابق. أصبح بإمكاننا متابعة أخبار أحبائنا ومشاركتهم تفاصيل حياتنا في اللحظة نفسها، مما يجعل العالم يبدو قرية صغيرة.
لكن من ناحية أخرى، فإن كثرة الاعتماد على هذه المنصات جعلت تواصلنا أكثر سطحية. فالتعليقات السريعة، والردود القصيرة، والاعجابات التي قد لا تعبر عن مشاعر حقيقية، باتت بديلًا عن الحوارات العميقة والمباشرة. أصبحنا أقل قدرة على قراءة لغة الجسد ونبرة الصوت، وهما عنصران أساسيان في بناء الثقة والحميمية.
علاوة على ذلك، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم ظاهرة الانعزال الاجتماعي، حيث يقضي البعض ساعات طويلة خلف الشاشات، يتابعون حسابات الآخرين، لكنهم في الوقت نفسه يبتعدون عن اللقاءات الواقعية والتفاعل المباشر. وهذا ما قد يؤدي إلى شعور بالوحدة رغم كثرة “الأصدقاء” والمتابعين.
الأهم من ذلك، أن هذه الوسائل أحيانًا تغذي سلوكيات سلبية مثل نشر الشائعات، والإساءة، والتجريح، والتي تضر بالعلاقات الإنسانية وتقلل من روح الاحترام والتقدير.
في خضم هذا كله، يبقى الإنسان هو صاحب القرار في كيفية استخدام التكنولوجيا. فهل نجعلها جسرًا يربطنا بمن نحب، أم تصبح حاجزًا يفصلنا عنهم؟
الحقيقة أن التكنولوجيا أداة، وقيمة العلاقات الحقيقية تكمن في التفاعل الصادق والاحترام المتبادل، وليس في أرقام المتابعين أو عدد الرسائل.
في النهاية، علينا أن نتذكر أن القلوب لا تُقاس بعدد “اللايكات”، وأن التواصل الحقيقي يحتاج إلى أكثر من مجرد اتصال إلكتروني… يحتاج إلى حضور إنساني ينبض بالحب والاهتمام.