في هذه القرية الإسبانية، الموت غير قانوني.. فما القصة؟

سمانيوز/متابعات
في مشهد يبدو أقرب للخيال، أعلنت قرية “لانجارون” الإسبانية الواقعة في مقاطعة غرناطة، حظرًا رسميًا على الموت! قد يبدو العنوان مثيرًا للدهشة، إلا أن خلفه قصة تكشف عن ابتكار غير تقليدي لمعالجة أزمة دفن باتت تؤرق سكان القرية منذ سنوات.
بدأت الحكاية في عام 1999، حينما قرر العمدة السابق خوسيه روبيو إصدار مرسوم محلي غير مسبوق ينص على أن “الموت في لانجارون ممنوع اعتبارًا من الآن”، في خطوة وُصفت بالرمزية، لكنها أثارت ضجة واسعة داخل وخارج إسبانيا. كان المرسوم في جوهره وسيلة احتجاج غير مألوفة على عدم استجابة السلطات الإقليمية لمطلب إنشاء مقبرة جديدة، بعد أن ضاقت المقبرة الوحيدة في القرية بما فيها.
وبنبرة ساخرة تجمع بين التحدي واليأس، دعا القرار المواطنين إلى العناية الفائقة بصحتهم وعدم الموت إلى أن تؤمّن البلدية مساحة بديلة للدفن. وأوضح روبيو لاحقًا أن المرسوم لا يحمل صلاحيات قانونية حقيقية، بل كان مجرد لفتة رمزية: “أنا مجرد عمدة، والأمر النهائي بيد الله”.
ورغم مرور أكثر من عشرين عامًا على إصدار القرار، لم تُسجل أي مخالفة بحقه، إلا أن لانجارون باتت تُعرف اليوم بـ”القرية التي يُمنع فيها الموت”، وتحول هذا السجل الغريب إلى جزء من هويتها الثقافية والسياحية.
لكن ما بدأ كخطوة احتجاجية طريفة، أسهم فعليًا في تحقيق أهدافه؛ فقد سلط الضوء إعلاميًا على معاناة البلدة، ولفت أنظار آلاف الزوار إليها، خاصة مع شهرتها بمنتجعات المياه المعدنية العلاجية التي تجذب الباحثين عن الاسترخاء والصحة من داخل إسبانيا وخارجها.
وبينما لا تزال القرية تعتمد على مقبرتها الوحيدة حتى اليوم، فإن قرار العمدة السابق صار جزءًا من تراثها المحلي، يُتداول في وسائل الإعلام ويُروى للسياح كإحدى أغرب القصص المرتبطة بمكان صغير لا يتعدى عدد سكانه 4000 نسمة.
والأمر اللافت أن لانجارون ليست وحدها في هذا النهج الغريب؛ فبلدة “لونغييربين” في النرويج تتبنى سياسة مشابهة منذ عام 1950، ولكن لأسباب مختلفة تمامًا. هناك، يُمنع الموت بسبب ظاهرة تجمد الجثث داخل التربة الصقيعية، الأمر الذي يحول دون تحللها الطبيعي، ويثير مخاوف من بقاء فيروسات قديمة كامنة داخلها.
تُثير هذه الحالات الاستثنائية أسئلة فلسفية وعلمية حول مدى تدخل الإنسان في قوانين الطبيعة، وما إذا كانت الرمزية يمكن أن تتحول إلى وسيلة فعالة للضغط والتأثير. ففي عالمٍ تغلب عليه الإجراءات البيروقراطية، تبدو “لانجارون” مثالًا مميزًا على أن الإبداع قد يجد طريقه من بين أزمات الواقع.
وبينما لم تُحل مشكلة المقابر بالكامل، حلت القرية لنفسها مكانًا في خريطة السياحة العالمية، لا بفضل الموت، بل بفضل قرار “منع الموت”.