«الأمير و البحر» قصة : هزاع عامر السليمي
سمانيوز/خاص
في قرية صغيرة تحتضنها أمواج البحر الهادئة، نشأ أمير كانت القرية موطناً للصيادين الأشداء، حيث الشباك تُحاك بأيدي متجذرة في تقاليد البحر، والقوارب تحمل في طياتها قصصاً لا تُحكى إلا على وقع صرير الأمواج.
في هذا المكان، حيث الحياة تدور في فلك الصيد والغربة، كان التعليم يُعتبر رفاهية لا يتسنى للجميع الحصول عليها كان الأهالي يرون في الأفق البعيد مستقبلاً لأبنائهم، لكن ليس عبر كتب العلم و إنما عبر موجات البحر التي تقود إلى أراضٍ بعيدة.
أمير الطفل الذي كان يتسلل خفية ليتأمل البحر، كان يحلم بعالم يتجاوز حدود الأفق الذي يراه كل يوم، كان يشعر بأن هناك ما هو أكثر من مجرد الأمواج والرمال ، ما هو أكثر من الشباك القوارب ، كان يحلم بالعلم والمعرفة بالكلمات التي تُبنى منها الجمل والأفكار التي تُشيد منها الحضارات.
فمنذ نعومة أظافره كان أمير يتقد بذكاء يفوق سنينه، يتلألأ كنجم في سماء مدرسته الأساسية، كان يبرز بين أقرانه كطالب متفوق، يحمل في جعبته شغفًا لا ينضب و ذكاءً يتوق للمزيد من المعرفة لم تكن الشهادات والتقديرات في تلك المرحلة مجرد أوراق، بل كانت شواهد على رغبته العميقة في التعلم و التفوق.
مع انتقاله إلى المرحلة الثانوية ، شعر بثقل العالم على كتفه، رأى زملاءه يتخذون قرارات جريئة، يسافرون بعيداً بحثاً عن حياة أفضل، إتخد قرار مفصلياً و مغاير ، تحت وطأة بيئة لا تُقدر قيمة العلم كما ينبغي، قرر أن يغامر، فسلك طريقاً لم يكن يخلو من المخاطر و إلى المجهول، و هي الغربة الذي أخدت من عمره بضع سنوات صعيبة.
و لكن و كما يقولون في القلب من كل صعوبة فرصة، و كانت فرصة أمير تكمن في العودة إلى جذوره، حيث الأرض التي تعرف خطواته الأولى و الحلم الذي لم يفارقه.
عاد أمير إلى وطنه ، و لم يعد إلى مقاعد الدراسة، بل اختار طريقاً آخر، طريقاً مليئاً بالمسؤوليات و الالتزامات ؛ الزواج و تكوين أسرة، و مع ذلك لم يتخلى أمير عن حلمه في التعلم و لم يستسلم بل بدأ من جديد، فالحياة ليست عن السقوط بل عن النهوض مرة تلو الأخرى و هكذا بدأت رحلته،
رحلة التعلم الذاتي رحلة البحث عن الذات في صفحات الكتب وسطور القصص، رحلة لم تكن لتنتهي إلا بتحقيق الذات والعلم،
أمير الشاب الذي أضاء طريقه بمصباح العزيمة و الإصرار، وجد في التعليم الذاتي مرساه و ملاذه.
لم يكن مجرد اختيار بل كان ضرورة حتمتها ظروف الحياة و تقلباتها.
ففي كل يوم و كأنه يتناول كتاباً جديداً يغوص في أعماقه يستخرج الدرر و العبر ويحولها إلى جزء لا يتجزأ من وجدانه و فكره.
كانت الكتب بمثابة أصدقاء له يحدثونه عن الفلسفة والعلوم، عن الأدب و التاريخ عن الفن والثقافة، و مع كل صفحة يطويها، كان يشعر بأنه يقترب خطوة نحو تحقيق حلمه المنتظر،
كان يؤمن بأن التعليم الذاتي هو رحلة مستمرة، كان يرى في كل تجربة حياتية فرصة للتعلم، و في كل تحدي درساً جديداً يُضاف إلى رصيده من الخبرات.
مرت السنوات، و معها نمت حكمة أمير و تعمقت معارفه، كان يعلم أن الشهادة الأكاديمية لها قيمتها في هذا العالم، و في بلوغه سن الثلاثون ، قرر أمير أن يستأنف دراسته الثانوية بعد التوقف عنها منذ عشر سنوات، فكانت الخطوة الأولى نحو حلم أكبر، حلم الالتحاق بالجامعة و تحقيق ما كان يبدو مستحيلاً.
أمير، الذي لم يكتفِ بالتعليم الذاتي فقط، بل جعل من تجارب الحياة مدرسة له، يُعلمنا أن الإيمان بالذات و الرغبة في التعلم هما مفتاحا النجاح والتميز، وهو الآن يقف على عتبة عالم جديد، عالم الشهادات الجامعية، مُدركاً أن كل ما مر به من تجارب ستكون له الأساس الذي يبني عليه أحلامه القادمة.
وهكذا، يستمر أمير في كتابة فصول حياته، مثالًا للإصرار و العزيمة، ملهماً كل من يقرأ قصته بأن الطريق نحو النجاح ليس بالضرورة مستقيماً، و لكن بالإرادة و التصميم، يمكن للإنسان أن يتغلب على العقبات و يحقق أحلامه.