آراء جنوبية

ليس مشروع “مثلث”… بل وطن لكل الجنوبيين

رد أكاديمي على الخطاب المناطقي وتوضيح أسس المشروع الجنوبي الفيدرالي

كتب:
د. أمين العلياني

إلى الوالد العزيز الصيعري الحضرمي المحترم،

تحية بحجم الجنوب الفيدرالي الموحّد، وبعد:

بعد أن سمعتُ المقطع الصوتي الذي نشرته في إحدى الجروبات، ووصفتَ ما حاولتُ أن أطرح من وجهة نظر من مقام اختصاص أكاديمي، يجعل من الموضوعية منطلقًا علميًا تنويريًا، وليس إعلاميًا ينثر كلماته بهدف الإساءة إلى جهة قد تتفق معها أو تختلف، مع إيماني العميق وموقفي الثابت في الدفاع عن المشروع الجنوبي الساعي إلى استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة بحدود ما قبل عام 1990م.
وعلى الرغم من الكلام الذي وصفته بالهرطقة الاستعلائية والمناطقية، وتحديد الاسترجاعات الماضوية (أصحاب المثلث) إلى حقب تاريخية، أقحمت أستاذًا أكاديميًا بعمر الشباب لا تسمح له أخلاقياته بذكرها، ولا علاقة له في معايشتها، واتهمت مكانته العلمية التخصصية، والسريرة النقية التي وُلدت من أب وأم عمرهم ما سمعوا يومًا ما يذكروا لي تفاصيلها ولا أحقادها، أو بالمشاركة في حكم مراحلها التي اتهمت قلمي الحصيف في ذكرها واسترجاعها ظلمًا وزرًا.
وحاولت أن تصف ما قدمتُ من قراءة استقيتها من دراسات وتقارير دولية ومراكز بحثية متخصصة، حاولتُ من خلفياتها كشف التعقيدات التي باتت اليوم تعزف على وترها قوى الشمال الاحتلالية بمختلف توجهاتها، أن تزرعها في كل محافظات الجنوب لتعوق مسار المشروع الجنوبي الفيدرالي المستقل، تلك التعقيدات التي تحاول أن تصدرها قوى الشمال اليمني بهدف تمزيق اللحمة الجنوبية وتجعلها رهينة ماضيها الذي ما زال بعض من عانى منه يستذكره بحقد، رغم أن الكل دون استثناء في جنوبنا الحبيب قد اكتوى بناره.

والدي العزيز:
إن أدبيات البحث الأكاديمي دائمًا ما تكون تحليلات مبنية على حقائق ومعلومات مأخوذة من مراكز بحثية ومصادر موثوقة، تُثبت حقيقة المستفيد الوحيد من تمزيق الجبهة الداخلية الجنوبية، وإرباك وإعاقة المشروع الجنوبي واستحقاقاته السياسية، تلك الاستحقاقات التي تحتوي الجنوب بكل أبنائه، وتمثّل كل فئاته وأحزابه، وكل من يؤمن بهذا المسار الواضح الذي صار منطلقًا من مضامين ميثاق شرف وطني يضمن كل محافظات الجنوب بخصوصياتها، وحكمها من أبنائها.

والدي العزيز:
إن المطالبات الحقوقية ومراعاة الخصوصيات لمحافظات الجنوب، هذا لست من يقوله أو يحدّده، بل قد قال به كثيرون، وقد حدده المشروع الوطني الجنوبي منذ التفويض الشعبي للرئيس عيدروس الزبيدي في 4 مايو 2017م، وما تولّد عنه من تشكيل هياكل هذا المشروع الجنوبي الفيدرالي في 21 مايو 2019م، ونتج عنه تحولٌ سياسي نقل الجنوب من حركات المطالبات في نضالاته السلمية إلى مشروع الدولة الجنوبية، وتشكيل هياكلها من رئاسة مجلس وأمانة عامة وهيئات مساعدة، والجمعية الوطنية التشريعية، ومجلس الاستشاريين، ومجلس الهيئات التنفيذية، وأخيرًا مجلس الشيوخ الجنوبي، ناهيك عن تشكيلات القوات العسكرية والأمنية لكل محافظة من أبنائها وخيرة قياداتها.

من هنا، يحق لي أن أرد عليك بتواضع الابن أمام مقام الأب، وبما يليق بالمقام، بين الطرح الأكاديمي المبني على حقائق ومعلومات مستندة إلى خلفيات معرفية مستندة إلى دراسات مراكز علمية وبحثية، وبين ردود عاطفية تنتابها لغة التخندق بهويات مناطقية وجهوية، لا يجوز لي الرد عليها لأني لست متخصصًا بمجال الدفاع عن منطقتي أو منطقتك، بل أنا كباحث متخصص يخولني منطق الموضوعية وقول الحقيقة أن أدافع عن مشروع نضال شعب وهوية جنوب وقضية شعب كانت ذات يوم دولة، ولي ولك الحق في تقييم سلبياتها من إيجابياتها، دون التخندق وراء أجندات تريد اليوم أن تصادم بيني وبينك في جغرافيا هي وطن لي ولك، وليس من صالح عودتها للهيمنة المحتلة لنا وعلينا جميعًا.

أما بخصوص ما تفضلت به مشكورًا أن أرجع إلى خطاب الرئيس عيدروس الزبيدي يوم التفويض في 4 مايو 2017م، فأنت مقتنع به، وبالحقيقة انطلقت فيما كتبت من أدبياته وما قرأت من دراسات مراكز متخصصة، ويمكن أن ألخّصها لك في النقاط الآتية:

1. الدلالات السياسية والتاريخية لخطاب التفويض، وهي:

الشرعية الثورية والشعبية لعودة الدولة الجنوبية الفيدرالية، لأن الخطاب الذي فوض الرئيس الزبيدي في 4 مايو 2017م قد مثل تحولًا جذريًا من ثورات الحراك الاحتجاجية والحقوقية والسياسية، وكان منطلقها الأول أرض الأحقاف حضرموت إلى مشروع دولة جنوبية بإطاراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والهوية والسيادة الاعتبارية، ابتداءً من تشكيل هياكلها المؤسسية المتمثلة في مجلس العموم الجنوبي والجمعية الوطنية، والهيئات التنفيذية والمساعدة، ومجلس الاستشاريين، ومجلس الشيوخ الجنوبي، والأمانة العامة، وهي الشرعية القانونية التي على وفق التفويض الجماهيري للرئيس عيدروس الزبيدي انبثقت عنه، وهو التفويض الذي وصف بالقرار التاريخي الذي يعكس الإرادة الجمعية لكل الجنوب بمختلف توجهاتهم وأحزابهم وفصائلهم، بشرط أن يكون إيمانهم ثابتًا باستعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا.

أكّد الخطاب أن التفويض جاء لتوحيد الجهود، ولمّ الصفوف، وحماية الجبهة الجنوبية الداخلية، ليكون تأسيسًا لكيان موحد يمثله (المجلس الانتقالي الجنوبي) الذي جاء ليوحد المكونات والكيانات الجنوبية بعد سنوات من التشتت وتزييف الإرادة من قبل القوى الشمالية التي لا تريد إلا الهيمنة ونهب الثروة وطمس الهوية، وترسيخ الكوادر الجنوبية من أعمالها، وتعطيل كل شيء بنته دولتنا السابقة.

جاء التفويض ليعزز القطيعة مع الماضي ويخلق مداميك قوية لمبادئ التصالح والتسامح، لأن خطاب التفويض وُصف بأنه نهاية لمرحلة التيه السياسي للجنوب وطمس الهوية، وإنهاء التباكي على مآسي الماضي، التي بسببها أصبحنا أسرى لا نقدر على تجاوزها، وأصبح من يغذيها هو العدو اليمني الشمالي المستفيد الأكبر من استمرارها، لنظل رهائن تحت شفقة حكمه واحتلاله. ومن هنا، جاء خطاب التفويض لينهي عهدًا من الانقسامات بين مكونات الحراك الجنوبي، من جهة، ويعزز من مبادئ التصالح والتسامح مع الماضي، الذي أصبح العدو الشمالي يعززه ليستفيد من بقائه، ونظل على أبوابه ننتظر الفتات إن لم يكن القتل والاغتيال والإقصاء والتهميش، فجاء خطاب التفويض ليخلق مجلسًا جنوبيًا وضع أساسًا لقيادة واحدة تمثلت في (المجلس الانتقالي الجنوبي)، ويكون الضامن على إنهاء هذا الماضي بقيود ومواد قانونية بهدف توحيد جبهاته الداخلية، وحماية مكتسباته السياسية والجغرافية والاقتصادية وحدوده الجغرافية، ليحظى الجنوب كمشروع سياسي جنوبي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، وينال اعترافًا داخليًا أولًا، وإقليميًا ودوليًا ثانيًا.

وعندما نتساءل، أنا وأنت وغيرنا، كثيرًا: ما هي الدوافع والأسباب الرئيسة للتفويض؟

فشل الحلول السياسية مع شركاء الوحدة، وإخفاق الحكومات اليمنية الشمالية المتعاقبة في التعامل مع مطالب الجنوبيين بالشراكة العادلة، مما دفع الجماهير إلى اختيار قيادة جديدة تمثلهم خارج إطار الهيمنة التي تدار من صنعاء.

الحاجة إلى تمثيل موحد، ومن هنا جاء التفويض استجابةً لحاجة الجنوبيين إلى قائد سياسي يجمع عليه كل الجنوبيين المؤمنين باستعادة دولتهم الجنوبية الفيدرالية المستقلة، ليعبّر عنهم في المفاوضات الدولية، خاصة بعد دعوات متكررة من المجتمع الدولي لتوحيد صفوفهم.

أما الأهداف المحققة بفضل التفويض فقد تجلّت في:

تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح الكيان السياسي والعسكري الأبرز للجنوبيين، معترفًا به من قبل التحالف العربي (خاصة السعودية والإمارات)، مما عزز موقفه في مفاوضات السلام.

بناء المؤسسات من خلال إنشاء هياكل مثل الجمعية الوطنية، ومجلس المستشارين، والمجلس التنفيذي، ومجلس الشيوخ الجنوبي، والهيئات المساعدة، والأمانة العامة، والهيئات التنفيذية بالمحافظات والمديريات، والقوات المسلحة بمختلف مسمياتها في كل محافظة ومن أبنائها، مما حوّل المجلس من حركة مكونات سلمية احتجاجية إلى كيان حكومة تُشرق شمسها عما قريب.

تعزيز الحضور الدولي، حيث كسر خطاب التفويض وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي حاجز التعتيم الإعلامي على قضية شعب الجنوب، وجعلها جزءًا من الأجندة السياسية الإقليمية، كما ظهر لاحقًا في اتفاق الرياض 2019.

توحيد الخطاب الجنوبي، حيث انتقلت المطالب التي كانت ترددها مكونات الحراك الجنوبي وتصفها قوى الشمال اليمنية بالشعارات، إلى برنامج واضح يركّز على إعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة عبر مسارين: سياسي (مفاوضات سياسية تطرح الحل الذي فُوض من أجله الشعب في الجنوب والمؤمن بعدالة قضيته) وعسكري (مقاوم على الأرض ويحمي الجغرافيا والمكتسبات والثروات).

الخلاصة
والدي العزيز الصيعري:
خطاب التفويض في 4 مايو 2017م، وما تلاه في 21 مايو 2019م من إعلان المشروع الجنوبي الساعي إلى استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة، لم يكن مجرد حزب يهيمن عليه طرف أو منطقة، كما قدحت وتهجّمت على ما كتبتُ بغيابي من سابق، واتهمتَ أنه مشروع المثلث بهدف الهيمنة، بل أؤكد لك أنه مشروع سياسي جنوبي فيدرالي على وفق عقد اجتماعي جديد بين الجنوبيين وقيادتهم، وبحكم ونظام فيدرالي يمنح كل محافظة خصوصيتها، ولو اطلعتَ على ميثاق الشرف الوطني لوجدتَ ما يسرّ به خاطرك ويزيل من مخاوفك.
وأعلم أن المجلس الانتقالي الجنوبي مشروع جنوبي سياسي عمل على:

1. تحويل الحراك الشعبي إلى مشروع دولة فيدرالية مستقلة.

2. توحيد الجنوبيين تحت مظلة مؤسسية واحدة.

3. كسب اعتراف إقليمي ودولي، حتى أصبح المجلس الانتقالي طرفًا رئيسيًا في الأزمة اليمنية.

وعلى الرغم من التحديات، يبقى المشروع الجنوبي الساعي إلى استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة نقطة تحول مفصليّة في المسار الجنوبي الحديث.

مع احترامي ومودتي،
ابنك: د. أمين العلياني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى