«عمالة الأطفال».. مشهد قاتم عمّقته الصراعات

سمانيوز/تقرير : نوال باقطيان
تعد عمالة الأطفال من أبرز المشكلات التي تعاني منها مختلف المجتمعات، سواء في البلدان المتقدمة أو النامية. حيث تبذل الأمم المتحدة قصارى جهدها في القضاء على هذه الظاهرة، وتجفيف منابع بؤر استغلال الأطفال، والانتهاكات التي تطال الطفولة.
وقد حددت منظمة الأمم المتحدة الثاني عشر من يونيو من كل عام، للاحتفاء باليوم العالمي لمناهضة ظاهرة عمالة الأطفال، ولخلق بيئة صحية تضمن لهم حقوقهم في الحياة الكريمة، وحقهم في التحصيل العلمي واللعب.
ويتجدد هذا الاحتفاء من كل عام لتقام كافة الفعاليات بالتوعية بمخاطر عمالة الأطفال، وآثاره النفسية والاجتماعية على الطفل والنسيج الاجتماعي، باعتبار الطفل النواة الأولى في الأسرة، حيث تكمن أهمية بناء شخصية الطفل بضمان التنمية المستدامة، وبناء مجتمع قوي خالٍ من الأمراض الاجتماعية.
تعريف عمالة الأطفال:
حسب تعريف منظمة الأمم المتحدة، فإن عمالة الأطفال هي أعمال تضع عبئاً ثقيلاً على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، كما يوجد في ذلك انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الوطنية، فهي إما أن تحرم الأطفال من التعليم أو تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل.
أعداد مخيفة:
وعلى الرغم من أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” تبذل العديد من الجهود في سبيل القضاء على هذه الظاهرة، إلا أن أعداد الأطفال الذين يعملون مازالت مهولة وتنذر بتداعيات لا تحمد عقباها، ليس فقط في المجتمعات النامية بل حتى في المجتمعات المتقدمة، ففي البلدان المتقدمة والتي لا تلبث أن تتغنى بحقوف الطفل ورفاهيته، لا تستثني أطفالهم هذه الظاهرة التي عادة ما تترافق مع الفقر والجهل.
فموظف الأمم المتحدة عادة ما يستعين بطفل لتنظيف سيارته الفارهة، ضارباً بذلك كل الشعارات التي تتغنى بها تلك المنظمات والمجتمعات
وبحسب تقرير أوردته منظمة العمل الدولية مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، فإن ١٣٨ مليون طفل كانوا يعملون في عام ٢٠٢٤م، من بينهم حوالي ٥٤ مليون طفل انخرطوا في أعمال خطرة قد تعرض صحتهم وسلامتهم أو نموهم للخطر.
وأشارت تقارير إلى أن أرقاماً وُصِفت بالخطيرة والصادمة لهذه الظاهرة في عدد من الدول العربية، وتعدد أشكالها لأسباب عدة منها التغيرات المناخية وتبعات انتشار فيروس كورونا، إلى جانب الصراعات المسلحة، وانعدام الامن الغذائي والمجاعات، وفق ما ورد في تقرير الأمم المتحدة، ولا نستثني من ذلك الفقر كأبرز سبب، وتسرب الأطفال من صفوف التعليم، وارتباط ذلك بثقافات الريف في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية.
وتنتشر عمالة الأطفال أكثر في القارة الأفريقية، إذ يصل الأطفال العاملون إلى ٧٢ مليون طفل، تليها قارة آسيا والمحيط الهادي بـ ٦٢ مليون طفل، وتوزع ١١ مليون طفل عامل بين الأمربكيتين، وفي أوروبا وآسيا الوسطى التي يعمل ٤% من الأطفال، ويبلغ عددهم ٦ مليون طفل.
أما في العالم العربي، فتصل عمالة الأطفال إلى ٣%، وهو ما يعني أن مليوني طفل ينخرطون في العمل.
أشكال عمالة الأطفال:
لا يقتصر عمالة الأطفال على انخراط الأطفال في مختلف الأعمال البسيطة والخطرة، والتي تشكل عبئاً عليهم، بل يمتد إلى الاستغلال والاستعباد والاتجار بالبشر، من بيع الرقيق وتجارة الاعضاء والعمل في الدعارة، والانخراط في النزاعات المسلحة، وكل هذه الأشكال يحضرها القانون الدولي، ومع ذلك لا تمثل هذه القوانين سياج حماية للطفولة من الاستغلال، والزج بهم في أتون الصراعات المسلحة والاستغلال الجنسي لهم.
الآثار النفسية:
وعن الآثار النفسية المترتبة عن عمالة الأطفال، يقول الاستشاري ومدرس الطب النفسي للأطفال والمراهقين الدكتور محمد حمودة، خلال حديثه لـ”بي بي سي”: “تعتبر عمالة الأطفال شكلاً من أشكال سوء استخدام الأطفال، الذي قد يتمثل في انتهاك الأطفال، سواء بدنياً أو نفسياً أو جنسياً، لذلك لها آثار نفسية خاصة وأن الطفل يُحرم من اللعب مع أقرانه، وهي الفترة التي تتكون خلالها شخصيته، وفي فترة المراهقة، لتصل إلى الشخصية الناضجة في عمر 18 عاماً. وبالتالي، فإن عمالة الأطفال لا تجعل الطفل يستمتع بطفولته ويعيش حياته كطفل”.
ويضيف: “للأسف، تجري معاملة الطفل كعامل أو كشخص كبير في السن رغم صغر سنه، ومن ثم يكتسب سلوكيات لا يجب أن يكتسبها في طفولته، ما يؤدي إلى إصابته باضطرابات مختلفة كاضطراب الاكتئاب أو القلق بأنواعه أو السلوك، لأنه يتعلم سلوكيات المصانع والشارع ونجده ربما يُدخن السجائر أو يتعاطى المواد المخدرة في عمر صغير”.
ويوضح حمودة أن هناك اضطرابات أخرى، حيث يقول: “قد نجد لدى بعض الأطفال العاملين اضطرابات جنسية، إذ يسيء من يعملون معهم معاملتهم جنسياً ويستغلونهم بالتحرش والاعتداء عليهم جنسياً. وأيضاً قد يتعرض الأطفال لصدمات نفسية فيصابون بما يعرف بـ(اضطراب كرب ما بعد الصدمة) بسبب الصدمات النفسية التي يتعرضون لها في بيئة العمل التي يعملون فيها”.
ويقول الاستشاري أيضاً: “إنه لا بد من الحد من عمالة الأطفال عبر معالجة الأسباب، بحيث يكون هناك مجلس متخصص برعاية حقوق الطفل يهتم بالأطفال ويمنع ويُجرّم عمالتهم لخلق نشء سوي. وبالنسبة للأطفال الذين بدأوا بالعمل فلا بد أن يخضعوا لمراحل تأهيل نفسي مع متخصصين من الأطباء النفسيين، ليحدّوا من الآثار النفسية التي ترتبت عليهم جرّاء العمالة”.
عمالة الأطفال في مناطق الحوثيين:
لاشك أن اليمن تعاني من تنامي ظاهرة عمالة الاطفال مرافقة لأسباب عدة، حيث تعاني أغلب العائلات من الفقر وفقدان المعيل وتسرب الأطفال من التعليم، مما فتح الباب على مصراعيه لتوجه الأطفال إلى العمل بدلاً من التعليم وممارسة حقوقهم في اللعب، حيث يعملون في المزارع التي لا تجد عائلاتهم حرجاً من تشغيل أطفالهم فيها، وانتهاء بإلحاقهم بالورش.
ومع بداية الحرب الحوثية تعمقت هذه الظاهرة، وأصبح المشهد العام للطفولة أكثر قتامة، حيث استخدمت الميليشيات الأطفال في الصراعات، فهي لا تتحرج من الزج بهم في أتون الحرب قسراً، سواء بالاختطاف أو إجبار ذويهم على تسليمهم للانخراط في التشكيلات العسكرية.
كما شكلت ظاهرة النزوح جراء الحرب مرتعاً خصباً لتنامي هذه الظاهرة في صفوف النازحين، والوقوع في فخ الاستغلال الجنسي، وترويج المخدرات، وفي فخ عصابات التسول.