الجنوب العربيالسلايدر الرئيسيتقارير

تصفيات سياسية وجرائم منظمة وذئاب منفردة… «صنعاء عاصمة السفاحين» ماذا حدث ويحدث في باب اليمن؟

سمانيوز/ تقرير/خاص

لعب الوازع القبلي والأحكام العرفية والتمييز الطبقي، دوراً كبيراً في دفن وحجب الكثير من ملفات الجرائم التي حدثت وتحدث بالعاصمة اليمنية صنعاء، سواءً سياسية أو منظمة أو ذئاب منفردة عن الرأي العام المحلي والخارجي، تم طيها والتكتم على الكثير منها. وكان لهشاشة الجانب الإعلامي وتأخره عن مواكبة الحداثة، وتعرض كثير من الصحفيين للتنمر والتهديد والوعيد، وشراء ذمم البعض منهم، دوراً في طمس الكثير من الحقائق.

تسارع مسلسل الاغتيالات والتكتيم عليها عقب اغتيال الرئيسين الغشمي والحمدي، اللذين تمت تصفيتهما في ظروف غامضة، ففي يوم الثلاثاء 11/10/1977 تم اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وعقبه ببضعة أشهر تمت تصفية الرئيس أحمد حسين الغشمي يوم 24 يونيو 1978، الذي يعد رابع رئيس للجمهورية العربية اليمنية، وكانت فترة حكمه الأقصر حيث دامت من 11 أكتوبر 1977 إلى 24 يونيو 1978م، قرابة 9 أشهر فقط.
وكان اغتيال الغشمي الفرصة التي اغتنمها علي عبد الله صالح للقفز إلى السلطة، والإقامة فيها 33 عاماً.

وبحسب وثائق، رفع عن بعضها السرية مؤخراً، فإن عمليتي اغتيال الحمدي والغشمي، تمتا بحضور قائد محور تعز آنذاك الرائد علي عبدالله صالح (عفاش)، الذي استطاع عبرها الوصول إلى هرم السلطة، اعتلى عرش السلطة على أنهار من الدماء. وبعد تهاوي عرشه بدأت الحقائق تظهر، كاشفة النقاب عن تورطه في مقتل الحمدي والغشمي.

منذ تولي عفاش أصبحت صنعاء وكر السفاحين:

أكد معاصرون ووثائق مؤكدة أن سجل عفاش حافل بالجرائم، وصل إلى السلطة وثبت دعائم حكمه على جماجم ودماء لا تعد ولا تحصى. أنشأ دولة بوليسية نفذت عمليات إعدام خارج إطار القانون ضد خصومه السياسيين، تارة بالرصاص وتارة بحوادث سير وتارة بدس السم وتارة بنيران صديقة، وغيرها من أشكال التصفية التي انتهجها عفاش.
مزج بين الدستور والقانون والأعراف القبلية، وسار نظام حكمه على شراء الذمم والولاءات، وتدريجياً شكل دولة عائلية ومن المقربين.

عقب الوحدة اليمنية استعان بالإخوان المسلمين، شكل حزب إسلام سياسي (التجمع اليمني للإصلاح) بمعية الشيخ القبلي عبد الله بن حسين الأحمر، تمت أدلجة الحزب دينياً ليصبح (سفاح جهادي)، مهمته التخلص من قيادات الجنوب (الحزب الاشتراكي اليمني) عقب إصدار فتوى تكفيرية بحقهم. وبالفعل نجح عفاش في التخلص من قيادات الجنوب التي أبرمت معه الوحدة اليمنية، البعض قتل والبعض تم نفيه خارج اليمن.

سفاح جامعة صنعاء:

على وقع رائحة الدم الناجمة عن أعمال العنف التي أرسى مداميكها عفاش، أصبح القتل مهنة في ظل ظروف مواتية لمزاولتها، لم تقتصر على الساسة والجماعات المنظمة، بل وصلت إلى الكوادر الجامعية.
ففي تسعينيات القرن الماضي، شهدت مشرحة كلية الطب بجامعة صنعاء جريمة هزت الرأي العام المحلي والدولي، وأصيب الكل بصدمة وذهول، راح ضحيتها 16 فتاة، ارتكبت على يد كادر طبي يحمل الجنسية السودانية يدعى محمد آدم (52 عاماً)، يعمل فني تشريح في مشرحة كلية الطب جامعة صنعاء.
أطلق على الحادثة (سفاح الجامعة)، اعترف باغتصاب وقتل أكثر من ستة عشر فتاة، منهن إحدى عشرة طالبة بكلية الطب. استدرج واحدة تلو الأخرى على مدى سنوات، قطع جثث ضحاياه إلى أوصال صغيرة، وأذاب اللحم والعظام باستخدام مواد كيميائية وتخلص منها عبر المجاري والمراحيض، وبعض الأعضاء استخدمها لأغراض تعليمية.
وكشفت جلسات محاكمة السفاح محمد آدم تفاصيل مروعة عن جرائمه، حيث شهدت العاصمة صنعاء عمليات اختفاء لطالبات، وظل أهاليهن يبحثون عنهن سنين.
ووردت في جلسات المحاكمة أسماء شركاء للمتهم آدم كانوا يتولون استئصال الأعضاء الداخلية للضحايا للإتجار بها. وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في عهد عفاش لا يتسع المجال لحصرها.

تصفية عفاش على أيدي الحوثيين:

في نهاية المطاف، انقلب السحر على الساحر، وكما يقولون غلطة الشاطر بعشر. ارتكب عفاش خطأ كبيراً بتحالفه مع مليشيات الحوثي ضد شرعية الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي.
مليشيا خاض ضدها 6 حروب استنزاف، وكان ينوي استخدامها جسر عبور للعودة إلى السلطة مجدداً، ولكن حساباته كانت خاطئة.
ففي 4 ديسمبر 2017م، تمت محاصرة منزله واغتياله، عقب أن خاض أنصاره حرباً طاحنة مع مليشيات الحوثي دامت أياماً بالعاصمة اليمنية صنعاء.

استفراد الحوثي بصنعاء ودخول مرحلة تصفيات بينية جديدة:

عقب تصفية عفاش، استفرد الحوثيون بالسلطة وباتت صنعاء وبقية محافظات الجمهورية العربية اليمنية في قبضتهم. ولكن مسلسل التصفيات والقتل لم تتوقف، بل شرع الحوثيون في تنفيذ عمليات تصفية وتشريد لما تبقى من الجيوب التابعة لعفاش. وعقب ذلك بفترة ليست طويلة شهدت أجنحة مليشيات الحوثي صراعاً داخلياً على النفوذ والسيطرة والاستحواذ على الجبايات، والتنافس على تاسيس شركات تجارية، وما إلى ذلك، رافقه عمليات تصفية طالت العديد من قيادات الجماعة، وصلت إلى جهاز مخابراتها، الذي فقد مؤخرًا أحد أبرز قياداته السرية.

ورغم التكتم كشفت مصادر أمنية وإعلامية يمنية عن تعرّض القيادي في جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة الحوثي، المدعو عبد الواحد يحيى نجم الدين القصير المراني، لعملية اغتيال مدبّرة في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للمليشيات. كما لقي الشيخ القبلي محمد أحمد حسن تالوقة الزبيري، أحد أبرز مشرفي جماعة الحوثي في مديرية أرحب، حتفه جراء عملية اغتيال على يد عناصر مجهولة.
الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة اكتفت فقط ببلاغ، دون إجراء أي تحقيق حول ملابسات الحادثة أو العناصر التي قامت بتصفية الشيخ القبلي.

كما تعرض العديد من القيادات الحوثية لقصف الطيران الأمريكي. وقالت مصادر مؤكدة إن عناصر حوثية رسمية هي من أعطى الإحداثيات للطيران الأمريكي، وأن ذلك يأتي في إطار تصفية قيادات غير مرغوب بها بطريقة غير مباشرة.

وخلال الفترة الماضية، قامت المليشيات الحوثية بتشييع الكثير من قياداتها الميدانية البارزة، وفي كل مرة تدعي أن تلك القيادات قتلت في مواجهات مع القوات الحكومية، إلا أن مصادر محلية في صنعاء كشفت أن بعض من يتم تشييعهم تمت تصفيتهم في الحرب الداخلية بين أجنحة الجماعة، ضمن صراع بسط النفوذ والسيطرة على الإيرادات والأموال المنهوبة من الخزينة العامة ومن التجار والمواطنين.

ذبح 4 فتيات وتقطيع جثة أخرى في صنعاء:

مؤخراً، طال مسلسل التصفية بالعاصمة اليمنية صنعاء المجتمع المدني، عقب احتضانها أعداداً من السفاحين اليمنيين الذين أفرزتهم ظروف العنف التراكمية، جرائم منظمة وأخرى ذئاب منفردة، ذبح وتقطيع جثث.

وأفادت مصادر محلية بأن مواطنين عثروا على جثث 4 فتيات وعليها آثار تعذيب وحشي في العاصمة اليمنية صنعاء، أواخر يونيو 2025م،
مشيرة إلى أنه تم العثور على جثث أربع فتيات مجهولة الهوية داخل مزرعة في صنعاء القديمة، وأن الضحايا الأربع تعرضن للتشويه والفصل الوحشي للرؤوس عن الأجساد، في مشهد صادم يعكس تصاعد جرائم العنف في المناطق الخاضعة للمليشيات الحوثية، في ظل تفشي الفقر والجوع وانقطاع المرتبات، إلى جانب حالة الانفلات الأمني.

كما كشفت مصادر أخرى أواخر يونيو 2025م، تفاصيل صادمة حول جريمة قتل مروعة راح ضحيتها فتاة تبلغ من العمر 25 عاماً، عُثر على جثتها مقطعة الأوصال في حي الفليحي بصنعاء القديمة، بعد اختفائها لمدة أسبوعين.
وقالت مصادر محلية إن الجاني المدعو إبراهيم طاهر شريم (44 عامًا)، وهو من أصحاب السوابق، كان قد التقى خلال فترة احتجازه في السجن المركزي بزوج الضحية، الذي طلب منه إقراض زوجته مبلغًا ماليًا للسفر إلى بلادها، على أن يسدده عندما يخرج من السجن.

وأضافت أن الجاني استغل هذه الظروف وتواصل مع الضحية، وطلب منها الحضور إلى منزله في حي الفليحي لاستلام المبلغ.
وأوضحت المصادر أن الضحية ذهبت إلى المنزل المذكور برفقة طفلها البالغ من العمر عاماً واحداً، مشيرة إلى أنه قام باغتصابها وقتلها، ثم تقطيع جثتها وتوزيع أجزائها في منزل مهجور وشبكة المجاري القريبة، لإخفاء معالم الجريمة.

وكانت قد انكشفت الجريمة عندما انسدت مجاري منزل أحد جيران المتهم، وعند فتحها عثر على يد بشرية فقام بالإبلاغ عن ذلك، فتم القبض على القاتل الذي اعترف بالجريمة وكشف عن بقية أجزاء الجثة.

إلى جانب قضية الطفلة جنات (9 أعوام) التي اغتصبها مشرف حوثي، ومُورست ضغوط شديدة ضد والدها لتقديم تنازل.
وغيرها من الجرائم التي كشف النقاب عنها، وما خفي كان أعظم.

ختاماً..
توشك العاصمة اليمنية صنعاء أن تتحول إلى غابة، تحتضن في أزقتها وأركانها وحوشاً على هيئة بشر سفاحين. تصفيات سياسية وأخرى جريمة منظمة وذئاب منفردة، إرث عفاشي تتناقله الأجيال.. وكما قيل في الأثر “كما تكونوا يولى عليكم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى