تقارير

في عصر التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية.. ” انتحال هوية النساء” هوس كارثي ام غزو ممنهج

سمانيوز/تقرير.

في السنوات الأخيرة، ومع التوسع الكبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الإنترنت بشكل عام، أصبحت ظاهرة انتحال الهوية واحدة من التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء في اليمن الشمالي، في ظل حكم مليشيات الحوثي.

إذ أصبح من السهل للغاية، وخاصة في ظل غياب التشريعات الكافية لحماية الخصوصية، أن يتم استخدام صور النساء وبياناتهن الشخصية في إنشاء حسابات وهمية أو التلاعب بهويتهن لأغراض مختلفة. تزايدت هذه الظاهرة لتصبح تهديداً حقيقياً للسلامة النفسية والاجتماعية للعديد من الفتيات اليمنيات، سواء في حياتهن الشخصية أو المهنية.

تأثيرات ثقافية واجتماعية على النساء في اليمن الشمالي

يتضاعف تأثير هذه الظاهرة في اليمن الشمالي، مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى حول العالم بسبب البنية الاجتماعية المحافظة التي تحكم العلاقات الشخصية بين الأفراد. في هذا المجتمع، حيث تشكل العادات والتقاليد جزءاً أساسياً من بناء الهوية الاجتماعية، فإن تعرض المرأة لانتهاك خصوصيتها أو انتحال شخصيتها على الإنترنت يمكن أن يؤدي إلى عواقب جسيمة، قد تمتد لتشمل الفضيحة الاجتماعية وفقدان الثقة في المجتمع المحيط. على الرغم من أن الانتحال قد يشمل أشخاصاً من مختلف الأعمار والفئات، إلا أن النساء، على وجه الخصوص، هن الأكثر تعرضاً لهذه الجرائم الإلكترونية.

قصص من الواقع: آثار الانتحال على النساء في اليمن الشمالي

تعد هذه الظاهرة مصدر قلق متزايد للنساء، ولا سيما الصحفيات والناشطات اللواتي يواجهن تهديدات مستمرة على منصات التواصل الاجتماع.. كانت إحدى الصحفيات في اليمن قد تعرضت لانتحال صورتها الشخصية عبر حسابات وهمية، تم استخدامها للترويج لأخبار ومحتويات تتعلق بالقضايا السياسية الحساسة في البلاد. وقد ترتب على ذلك سلسلة من التعليقات الهجومية والتهديدات التي كانت تستهدفها بشكل مباشر، في محاولة لربطها بمواقف سياسية لا تتوافق مع آرائها الحقيقية.

وبالرغم من الجهود التي بذلتها الصحفية لإيقاف الحسابات الوهمية والإبلاغ عنها، لم تنتهِ معاناتها، حيث تم إنشاء حسابات جديدة تحت نفس اسمها وصورتها، ما جعلها تحت ضغط نفسي واجتماعي كبير. في واقع الأمر، أصبحت أكثر من مجرد حالة فردية، بل مثالاً للعديد من النساء اللاتي يعانين من نفس الوضع، حيث يتم استخدام صورهن في نشر رسائل قد تضر بسمعتهن وتؤثر على حياتهن الشخصية والمهنية.

دوافع انتحال الهوية: الهروب من الواقع والرغبة في السيطرة

تعد ظاهرة انتحال الهوية في اليمن الشمالي ظاهرة متعددة الدوافع. يشير العديد من الخبراء الاجتماعيين إلى أن من بين الأسباب الرئيسية التي تدفع البعض لانتحال شخصيات الآخرين هو البحث عن الاعتراف الاجتماعي والتفاعل. ففي بيئات مثل بيئة اليمن، حيث يمكن أن تؤدي التعبيرات العامة عن الآراء إلى مشكلات كبيرة، قد يسعى البعض إلى الحصول على تفاعل من خلال سرقة هوية امرأة، حيث تحظى النساء في بعض الأحيان باهتمام أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما في الحالات التي يتخذ فيها الشخص المنتحل هوية امرأة بهدف الاحتيال أو الانتقام، فقد يكون الدافع وراء ذلك هو الضغط النفسي أو الشخصي، حيث يختار البعض الهروب من واقعهم من خلال تبني هوية مزيفة. في حالات أخرى، يمكن أن يكون الهدف هو إلحاق الأذى بالضحية عبر التلاعب بسمعتها أو تشويه صورتها، من خلال نشر محتوى مسيء على حسابات مزيفة.

الآثار النفسية والاجتماعية على الضحايا

تعاني النساء اللواتي يتعرضن لانتحال هويتهن من آثار نفسية جسيمة، تتراوح بين الخوف والاكتئاب، وصولاً إلى الشعور بالعار الاجتماعي والتشوه الشخصي. قد تواجه الضحية أيضاً تهديدات على حياتها، خصوصاً إذا تم ربط الحسابات المزيفة بنشاطات سياسية أو اجتماعية، يمكن أن تعرضها للضرر من أطراف مختلفة. النساء اللاتي يتعرضن لهذه الظاهرة قد يشعرن بالعجز، خاصة في بيئة حيث لا توجد حماية قانونية كافية ضد هذه الجرائم الرقمية.

تُظهر الدراسات أن هذه الظاهرة تؤدي في بعض الأحيان إلى مشكلات نفسية حادة قد تصل إلى اضطرابات في الهوية الشخصية، مما يجعل الشخص يعيش في حالة من الانفصام بين هويته الحقيقية وتلك التي تم فرضها عليه عبر العالم الرقمي. هذا الاضطراب النفسي يؤثر بدوره على قدرة الضحايا على التأقلم مع المجتمع، مما يؤدي إلى العزلة والخوف من التفاعل مع الآخرين.

عدم وجود تشريعات كافية لحماية الخصوصية

من أكبر التحديات التي تواجه الضحايا في اليمن الشمالي، هو غياب التشريعات القانونية التي تضمن حماية الخصوصية في الفضاء الرقمي. لا يوجد في الوقت الحالي قانون خاص يجرم انتحال الهوية عبر الإنترنت، ما يجعل من الصعب محاكمة المتورطين في مثل هذه الجرائم أو وضع حد لها. في بعض الحالات قد لا تكون هناك آلية واضحة للتعامل مع هذه القضايا، ما يترك الضحايا في وضع صعب للغاية.

رغم هذا، فإن بعض المنظمات الحقوقية والناشطات قد بدأن في توعية المجتمع حول ضرورة حماية الخصوصية على الإنترنت، مشيرين إلى أن النساء يمكنهن اتخاذ إجراءات لحماية صورهن وحساباتهن عبر الإنترنت، مثل تغيير إعدادات الخصوصية أو حذف الحسابات المزيفة، ولكن هذه التدابير لا تكفي للحد من الظاهرة بشكل شامل.

دور المجتمع المدني والتوعية

نظراً للزيادة المستمرة في حالات انتحال الهوية، بدأ المجتمع المدني في اليمن الشمالي بتنظيم حملات توعية تهدف إلى تعليم النساء كيفية حماية أنفسهن من هذه الجرائم الإلكترونية. تسعى هذه الحملات إلى زيادة الوعي حول أهمية استخدام وسائل حماية قوية على الإنترنت مثل كلمات المرور المعقدة، وتفعيل التحقق بخطوتين، والحذر من فتح روابط مجهولة المصدر.

كما بدأت بعض المنظمات في تقديم الدعم النفسي والقانوني للنساء اللاتي يتعرضن لانتحال هويتهن، عبر تقديم المشورة القانونية حول كيفية التعامل مع المبتزين، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي للتعامل مع الآثار النفسية التي قد تنجم عن هذه التجارب المؤلمة.

استراتيجيات للحد من انتحال الهوية وحماية الخصوصية

-التوعية بالخصوصية الرقمية: ضرورة توعية النساء في اليمن الشمالي بسبل حماية أنفسهن على الإنترنت، من خلال تثقيفهن حول إعدادات الخصوصية على منصات التواصل الاجتماعي، وكيفية تحديد من يمكنه مشاهدة منشوراتهن.
-التحقق بخطوتين: على النساء تفعيل خاصية التحقق بخطوتين على حساباتهن على الإنترنت لتقليل خطر اختراق الحسابات.
-عدم نشر الصور الشخصية علنياً: من الأفضل تجنب نشر صور شخصية أو معلومات حساسة على الإنترنت، خاصة على الحسابات العامة التي يمكن أن تساهم في استهداف الشخصيات العامة.
-التعاون مع المنظمات المدنية: ينصح بالتواصل مع المنظمات التي تقدم الدعم النفسي والقانوني، لتقديم المساعدة في مواجهة المبتزين أو منتحلي الهوية.
-التبليغ عن الانتحال: في حال تعرضت المرأة لانتحال هويتها، يجب عليها تقديم بلاغ رسمي للجهات المختصة، إن كانت متاحة، أو التواصل مع المنظمات الحقوقية للمساعدة في اتخاذ الإجراءات اللازمة.

ختاماً..
إن ظاهرة انتحال الهوية في اليمن الشمالي تعتبر من التحديات الكبرى التي تواجه النساء في العصر الرقمي، حيث تتعرض العديد من النساء لانتهاك خصوصيتهن، في بيئة غالباً ما تفتقر إلى الحماية القانونية الكافية. وقد تؤدي هذه الظاهرة إلى تأثيرات اجتماعية ونفسية جسيمة، مما يستدعي ضرورة تطوير قوانين تحمي حقوق الأفراد على الإنترنت، وتعزيز الوعي حول كيفية التعامل مع هذه القضايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى