آداب و ثقافةمقالات

قراءة في المقالة النقدية «ماهو الشاعر؟» للأستاذ “علوي بن محمود”

كتب: توفيق دعبان

اذهلني ذلك الغوص العميق للبحث في معنى ومفهوم وماهية الشعر والذي بدأه الكاتب الأستاذ علوي بن محمود في مقالة نقدية تعد من أبلغ واجمل ماكتب في سبر اغوار الشعر، حيث بدأ مقالته بالسؤال التالي :
الشعر هو شعور ما تجاه شيئ ما والشاعر هو الفاعل للشعور في شعره.. فمن اين يأتي هذا الشعور بالذات ؟

يجيب الأستاذ بن محمود على هذا السؤال الذي لايملك إجابته كثير من الشعراء بمختلف مستوياتهم،فهم وان كانوا شعراء بالفطرة إلا انهم يعتقدون انه ليس بالضرورة معرفة ماهو الشعر؟ أما هو فقد قدم لنا شرحا وتوصيفا دقيقا في إجابته عن السؤال، حيث ارجع الأمر للبدايات التي شكلت فكر ووعي وثقافة الإنسان منذ ولادته، مؤكداً أن التفاعلات المجتمعية والبيئية هي من تحفز ملكة الشعر لدى الإنسان وتبدأ بصقل موهبته.

إلا أن أستاذنا صاحب الخيال الواسع والمتمكن من توظيف المفردة يعود ليدخلنا في دهليز الحيرة بعد أن فتح لنا آفاق البحث الواسعة، عندما استخدم جملة “النقش على الخشب” !! لتوصيف رسوخ احاسيسي الشاعر وادراكاته في وجدانه.

ولم يكتفي عند هذا الحد من الإبداع في الوصف والمماثلة التي زادتنا حيرة في فهم مقاصده الأدبية من استخدام هكذا توصيف، عندما ذكر “ان النقش على الخشب ليس واحدا فهناك النقش الغائر بالحفر وهناك النقش البارز بالجلخ” !! وهي بكل تأكيد أمثلة تحمل معان دقيقة في تفسيراتها التي يمتلك هو وحده مفاتيحها.

وبتعلم اللغة كلمات وجمل بمرادفاتها واضدادها يؤكد الباحث أن الشاعر يبدأ مرحلة جديدة في فهم جوانب هامة من ماهية الشعر، وسيبدا كذلك بتجربة المقارنة والمفاضلة بين شاعر وآخر وقصيدة وأخرى ليصل إلى استنتاج ذاتي يضاف إلى رصيده في الثقافة الشعرية.

وعن الذاتية وهل يتكون الشاعر من الإنسان ام العكس؟ يجيب بأنهما متصلان منفصلان، فمن مجموعة قيم وسلوك وشعور الإنسان وتركيبته يولد الشاعر، كما أن الإنسان يمكنه أن يبلغ مرتبة سامية من الإنسانية كونه شاعرا، فيقول في هذا الصدد : “لذا عزيز المستنزل للشعر الراغب الحزين في مأوى الشاعرية ودثار الشاعر من برد الاغتراب والاقتراب والاضطراب لاتبتأس ان كانت هذه بعض احوالك ولاتأسف ايضا ان لم تكن كذلك ايضا فهناك شعراء يولدون من السعادة والاستقرار وهناك ايضا من يولدون من رحم الشقاء”.

تأتي مرحلة الانهمام والديزاين كمرحلة وسطى من عمر مسيرة الشاعر، وهي المرحلة التي يصنع خلالها الشاعر إطاره الخاص الذي من خلاله سيحدد ورسالته الإنسانية وتوجهه الفكري وفي بعض الأحيان السياسي والاجتماعي، يقول في ذلك الدكتور بن محمود” تأكد ان اطارك سيهز كثيرين وكثيرات وربما سيمتد تأثيرة الى اخرين سيخلفونك ويتابعون او يستلهمون من اطارك”.

ولم يغفل الأستاذ بن محمود التطرق للبعد الصوفي الذي يفترض أن يكون حاضرا في وجدان وتفكير الشاعر كبعدا راقيا وساميا، وبنفس الوقت يمكن أن يذهب الشاعر إلى منحى مضاد آخر وهو البعد الحسي الشهواني المادي وبطبيعة الحال فالناس جُبلوا على المتناقضات والتضاد نظرتهم لكثير من أمور الحياة.

يختتم الكاتب رحلته في سبر اغوار الشعر بالقول” لابد لنا من القول ان نصوص الشاعر ستشكل في تواترها وتركيزها وانهمامها ايقونات وابجديات في مختلف اعماله بينما ستتشكل فقاعات خاطفة من الانهمامات والمكبوتات والتنحيات للأشياء التي سيختار الا يركز عليها الاانها ستظهر بالضرورة على نحو متفاوت في ابياته بالذات او نصوصه النادرة فكل ماستطبعه التجربة والغريزة في الوجدان سيطفو لابد لاحقا في مفرزات التجربة وعلى كل هذه التوزيعات التي نوهنا بها ستعيد قرأت الشعر بوعي جديد ستبحث عن المؤشرات وستستمع في الاكتشاف في تجربتك الخاصة وستذهب بعيدا او قريبا ستلقي ستتعرف وتحكم لاحقا بما اضائه لك الوعي وستنتقل من طور الى آخر ” .

“علوي بن محمود”
أستاذ علم الجمال بقسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى