مقالات

الدنيا حلوة هيك .. فيش صوت طائرات

كتب :
علي عبدالله البجيري

ما أسهل الحديث عن الحرب والتخطيط لفصولها والتنظير لاتجاهاتها. والمثل يقول “ما أسهل الحرب على المتفرجين”. الحرب هي الدمار والخراب، وخاصة عندما يتوحش المعتدي ويتجرد عن القيم الإنسانية والواعز الديني والأخلاقي.

اسمعو جيدا هذا الطفل الفلسطيني وكيف وصف الحرب بلهجة الفلسطيني البسيط جميل العبارات، فصيح الكلمات، شاملا كل الموضوعات.”مقطع فيديو حديث لطفل غزاوي، حاز على ملايين المشاهدين من مختلف بلدان العالم. يقول الطفل بعفوية :«الدنيا حلوة هيك… يا جماعة فش صوت طيارات… سامعين؟».

ويقول : «صار هدنة يا جماعة .. والله من حد ما سمعت الهدنة فرحت كتير يا جماعة»، ثم يضيف مكسوراً، رغم أن ابتسامته العفوية لم تفارق محيّاه : «بس هذي الهدنة مؤقتة 4 أيام بس».

ويختم قائلاً : «يارب في هاي الهدنة تنحل الأمور، وتصير هدنة أبدية»، ومضيفاً، وهنا القصة التي تهز كل ذي ضمير : «والله الدنيا حلوة هيك بدون صوت زنانات .. فرحت كتير يا جماعة… فرحت كتير».

هذه الكلمات تعبر بصدق عن مشاعر الطفولة بعيدا عن أبواق السياسة. لاشيء أجمل من السلام والوئام والعيش بأمان، فهل ستفيق الضمائر وتقول إلى هنا وكفى؟ هل سينظرون إلى صور الدماء والأشلاء والأطفال القتلى والجرحى في غزة مؤذية لكل ضميرٍ حيٍ وكل قلب سليم.

هذه الحرب يجب أن تتوقف، فما عجزت عن ارتكابه منذ خمسة وسبعين عاما، عجزت أيضا عن تحقيقه خلال خمسين يوماً، ولن تحققه في أي وقت إضافي.

استمرار الحرب بهذه الوحشية، سيطلق العنان للتطرف وخطابات الكراهية والتمييز، ولن يحقق أحد النصر على أشلاء الأطفال والقتل لكل شيء حي. يجب دراسة المعاني الجميلة لكلمات هذا الطفل الفلسطيني وكذا كلمات الأطفال الإسرائيليين العائدين لأهلهم من الأسر في غزّة.

المشاهد القادمة من غزة بعد الهدنة مخيفة جدا ،مدينة مدمرة بأيدي بشرية، صور تذكرنا بصور الحرب العالمية الثانية بل وأبشع منها. فهل تكفي الهدنة المؤقتة لإعادة أبسط مقومات الحياة والحصول على رشفة ماء أو قطعة خبز لكل طفل يبحث عن أمه وأبيه ، وهم تحت الركام لمنزل كان في يوم من الأيام يأوي أسرة فلسطينية هنا.

نتمنى أن تكون هذه الهدنة بداية لانطلاق هدنة دائمة تؤسس لعملية سلام شاملة. كفى حروبا، لابد من سلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. 75 عاما مضت والدماء تنزف والجروح تدمل. فهل من صحوة لوقف هذا النزيف المستمر منذ 1948. أما آن الأوان لإطلاق العملية السياسية والوصول إلى حل الدولتين؟.

لم يشهد أبناء فلسطين مثل هذا الحجم من القتل للنساء والأطفال، كما لم يعرفوا إبادة واسعة للبنى التحتية مثل ما حدث في غزة. لم تحقق إسرائيل ما كانت تتوقعه رغم الدعم الغربي ،الواقع هو أن الأفعال أبلغ من الأقوال فمواقف الغرب وأمريكا مدوّية، وانحيازها المطلق لإسرائيل لا خجل فيه ولا تردد. ولكن مع انكشاف الأهوال والفظائع، بعد الهدنة،وانتشار صور قتل الأطفال والنساء جاءت انتقادات غربية على استحياء لإسرائيل ولم يطلبوا منها وقف الحرب، بل فقط استخدام أسلحة أقل تدميراً!!.

خلاصة القول.. سيسجل التاريخ أن الحرب على غزة هي ( حرب قتل الأطفال) ولهذا تواجه إسرائيل غضباً عالمياً لم تشهده منذ قيامها،فالمظاهرات تجوب عواصم العالم بشكل غير مسبوق منددة بالمجازر المروعة التي طالت الأطفال ، وتدمير المدارس والمستشفيات والأحياء السكنية. والسؤال ما هو سرّ استمرار أوروبا وأمريكا بدعم إسرائيل المطلق؟ هل يأتي من شعورها بالذنب التاريخي تجاه الإسرائيليين؟ ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة حربا “لا تقل وحشية عن الهولوكوست” الذي تعرض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية،. مهما”طالَ الزَمَنُ أو قَصُرَ” ستنتصر قيم العدالة على الظلم والاعتدال على التطرف والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته وعاصمتها القدس الشرقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى