مقالات

قضية البكري وبن هرهرة عظة وعبرة

كتب:
الشيخ / محمد سالم بن علي جابر

تابعت كغيري من المهتمين بالقضية التي حكم فيها بالإعدام على حسين ابن هرهرة لقتله الطفلة حنين البكري.
القصة من بدايتها حتى نهايتها مليئة بالمواقف والعبر والعظات

رجلان يركبان سيارتيها ويلتقيان في الطريق لا يعرف أي منهما الآخر فتحصل بينهما مشادة تدفع أحدهما لحمل سلاحه وبكل إصرار يطلق النار على سيارة الآخر لتسفر النتيجة عن مقتل فتاة بريئة هي الطفلة حنين البكري.

ولبشاعة الجريمة حصل هياج شعبي عام يطالب بتحقيق العدالة والقصاص من الجاني، فتم حبس بن هرهرة وتمت محاكمته وتم الحكم عليه بالقصاص.
وهنا تتحقق العدالة وينتصر القانون والشرع.

وحين دنى موعد التنفيذ تغيرت المعادلة وأصبح الجمهور الذي كان يطالب بالقصاص من ابن هرهرة هو ذاته يطالب بالعفو عنه.

ما الذي حصل؟ ولماذا هذا التغير في المواقف؟

الأمر طبيعي جدا، فالناس تنسى مع الزمن، وقد نسوا الألم الأول بفقد البكري لابنته حنين، وأصبحوا يعيشون ألمًا آخر بفقد بنات ابن هرهرة لأبيهم، وبخاصة بعد مناشدات البنات لوالد الضحية بالعفو عن أبيهم وأنهم سيضيعون من بعده.

لقد سيطر الألم الجديد على مشاعر الناس فأقبلت من كل حدب وصوب تطالب البكري بالعفو عن ابن هرهرة .
ورغم كل المناشدات والمطالبات والإغراءات لم يستجب البكري بتاتاً، وبقي مصممًا على حقه في القصاص من قاتل ابنته، وقبل التنفيذ بثوان معدودة أعلنها البكري (لقد عفوت لوجه الله)
كم هو عظيم بهذا الفعل الكريم، لقد تسامى فوق آلامه وأحزانه وعفى طلبا لوجه الله الكريم نسأل الله أن يتقبلها منه وأن يجعلها حجابا له من النار.
لقد أخر العفو إلى الثانية الأخيرة ليبعث لنا برسائل من أهمها:

• أن أرواح الناس ليست للعبث وأن لكل جبار نهاية وأنه لا مجال للعبث بأرواحهم اتكاءًا على الصلح.
• وأيضا لقد أخر العفو إلى الثواني الأخيرة ليُذيق الجاني كأس الذل، ويجرعه مرارة الحزن ليكون عبرة لنفسه ولغيره.
وفي هذه القصة من بدايتها الحزينة إلى نهايتها التي اختلط فيها الحزن بالفرح عددُ من الدروس من أهمها:
• الحادثة تعكس الحالة المزرية التي تمر بها البلد من الانفلات والعشوائية في حمل السلاح والاستقواء بالسلطة أحيانا أو العشيرة أو الجهة السياسية، والانتصار للنفس دون مراعاة لقانون أو نظام، بمعنى آخر “بلطجة”.
• الشارع أو الشعب أو الناس، تحركه العاطفة في مواقفه واختياراته، وينسى بل يسمح لمن يملك الآلة الإعلامية أو مواقع التأثير أن يتلاعب به وفي اختياراته، وهذا ما يجعله في زمن قصير يتقلب بين اليمين واليسار أو من الشدة إلى التراخي.
• صدور الحكم بالإعدام وإمضائه إلى الثواني الأخير هي بادرة خير ومؤشر إيجابي لإمكانية إصلاح الوضع وخصوصا القضاء، وسيادة القانون وفرض هيبة الدولة، وهي رسالة أيضا لكل “متهور” أن “للتهور” حدّا لابد أن تقف عنده وتنتهي.
• وهي رسالة عظيمة للمعفي عنه؛ الذي ينبغي أن تكون الحادثة نقطة تحول كبير جدا في حياته، فقد عاد من بوابة الموت ليعيد حساباته ويصلح حاله، وهي ليست معركة انتصر فيها في آخر ثواني حياته، بل هي هبة من الله للعودة ولكن ينبغي أن تكون بفكر ووعي ومفهوم جديد للمعايشة والمخالطة، ومن لم يستفد من نجاته ربما عاد لحتفه وهلاكه.
• وهي رسالة عظيمة لكل من يتهاون باستخدام السلاح متكئا على قبيلته أو جاهه أو سلطانه فالحق يعلو ولا يُعلى عليه وصاحب الحق منصور بسيف العدل أو بعدل الحق يوم لا ينفع مال ولا بنون.
• وهي فرصة سانحة للسلطات المحلية في كل المدن بتشريع قانون يمنع حمل السلاح داخل المدن، وتتخذ الإجراءات الصارمة حيال من يخالف ذلك، ولا شك أن ذلك سيسهم في الحد من الجريمة.

شكرًا #إبراهيم_البكري
شكرًا بني بكر
شكرًا لكل من سعى في إحقاق الحق أو في طلب العفو

ونسأل الله العظيم أن يحفظ البلاد والعباد من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى