تسوُّل تجاوز المهنية..!

كتب: خالد شوبه
لا شك بأن التسوُّل ظاهرة قبيحة تُسيء إلى سمعة المجتمع، وتُعكر صفوه وتُشوه صورته ومظاهره الحضرية، بل وتظهر المتسول بصورة الذليل، التي نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف، على لسان رسولنا الأمين “محمد” صلى الله عليه وسلم: “لا ينبغي للمُؤمِن أَنْ يُذل نفسه”..
في الجنوب، وتحديداً ما قبل اتفاق الوحدة مع الشمال، كان يُنظر للتسوُّل بأنه عيب كبير وإذلال مهين للنفس، لا ينبغي ممارسته، على الأقل في العلن، لكن تلك النظرة تغيرت تدريجياً ما بعد ذلك العهد واكتسبت الظاهرة نوعاً من الممارسة الطبيعية، تفنن المتسولون في إيجاد التبريرات والأسباب لجعلها مهنة مقبولة ومشروعة في الشارع الجنوبي.
ومع التطورات المتلاحقة والمتسارعة الٽي يشهدها العالم في الكثير من مجالات ومناحي الحياة، تعددت مظاهر التسوّل وتطورت كثيراً، ولم نعد نرى الممتهن للتسول فقط ذلك العجوز المسكين الذي يرتدي ملابس رثة، أو الكفيف بنظارات سوداء يرتكن أحد أبواب المسجد، أو معاق على كرسي متحرك في مدخل سوق عام، كما اعتدنا في السابق، بل تغيرت وتطورت عند البعض ووصل حد الأناقة واتباع الموضة للرجال، وشيء من البديكير والمنيكير مع النقشة والحمرة للنساء، لزوم الحبكة وإضفاء نوع من المصداقية على “المهنة”، ومحاولة استدراج الضحية جانباً وإقناعه عن طريق المهامسة والمخافسة بـ”ظروف خاصة ومؤقتة” دفعتهم للتسول وطلب الحاجة.
وليس بعيداً عن مهنية التسول والتجاوزات المصاحبة، فالكم الهائل من الأطفال المهمشين الذين تدفع بهم القوى السياسية والعسكرية والقبلية الشمالية نحو الجنوب تحت يافطة النزوح الإنساني، والذين امتهنوا التسول بطرق ملتوية واحترافية في الشوارع والجولات، وأتقنوا عملية الشحاتة عبر التشبث بسيارات المارة بشكل فوضوي، باتت ظاهرة مقززة وأكثر إزعاجاً.
مثل هذه الأفعال وطرق التدليس والاحتيال التي يمارسها الكثير من المتسولين اليوم في الجنوب والعاصمة عدن خاصة، تجاوزت المهنية الإنسانية للظاهرة وتعدت ربما الحاجة الماسة للمتسول، وأدى ذلك إلى فقدان ثقة الناس بهم وبحاجتهم للصدقات، وعدم التعاطف معهم، وبالتالي حرمان المستحقين الحقيقيين من كرم المتصدقين.