مقالات

الجنوب بين بطش الأمس وعدالة الزمن: حين يشرب الجلاد من نفس الكأس

كتب:جميل الشعبي

يعد احتلال 7 يوليو 1994م أسوأ محطة في تاريخ الجنوب الحديث، حيث جسّد ذروة القمع والبطش بحق أبناء الجنوب، بعد أن فرضت سلطات صنعاء هيمنتها العسكرية، ومارست كل صنوف الإذلال والإقصاء.

بلغت ممارسات النظام حد الطعن في الأعراض والتشكيك في الأنساب، ووُضع الجنوبيون في مرتبة «المواطنين من الدرجة الخامسة». تلا ذلك استبداد واسع شلّ مؤسسات الدولة، وحوّل العاصمة عدن إلى ثكنة عسكرية، بأكثر من أربعة ألوية، إلى جانب قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة وأجهزة المخابرات.

حُرم أبناء الجنوب من التعليم العالي والبعثات الدراسية، وصودرت حقوقهم في العمل، وأُغلِقت المصانع، وأُحيل الآلاف إلى التقاعد القسري ضمن سياسة «خليك في البيت». أما ضباط الجيش والطيارون، فقد وجدوا أنفسهم في الشوارع، يعملون كباعة قات أو سائقي أجرة، في صورة تجسد حجم الإهانة والانتهاك.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل طالت مؤامرة التجهيل أجيال الجنوب، من خلال تشجيع الغش في المدارس، وتهميش المعلمين، واحتكار البعثات الدراسية لصالح أبناء الشمال، بما في ذلك الكليات العسكرية والشرطية. كما حُرم الجنوبيون من دخول الكليات الحربية والبحرية والجوية، وتعرضوا لحملات تكفير ممنهجة قادتها قيادات دينية موالية للسلطة، خصوصًا حزب الإصلاح، تحت غطاء «إعلان الجهاد» ضد الجنوب.

لكن الزمن دار دورته، فوجد أولئك المستكبرون أنفسهم مشردين في المنافي، يطاردهم شبح العدالة في شوارع الشتات، بعد أن ذاقوا مرارة القهر والاقتلاع على يد قوة أشد بطشًا. وكأن عدالة السماء شاءت أن يشربوا من نفس الكأس الذي سقوه لأبناء الجنوب.

اليوم، لسنا في موضع شماتة، بل في لحظة تأمل في دروس التاريخ. فما حدث يؤكد أن الظلم لا يدوم، وأن الأيام دول، يدور فيها الكأس بين الظالم والمظلوم.

اللهم لا شماتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى