آراء جنوبية

حول ثنائية الاستعمار والشراكة

عيدروس النقيب

في ضوء زيارة الأخ اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى بريطانيا والنجاحات التي تحققت لصالح رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي للقضية الجنوبية، ولصالح الشعب الجنوبي عموماً تصاعدت اللهجة الهجومية الموجهة ضد الزيارة وضد المجلس الانتقالي وحتى ضد بريطانيا نفسها، وهي الدولة الممسكة بالملف اليمني والشريك الأكبر مع المجتمع الدولي في محاولة إخراج اليمن من الوضع الكارثي الذي أوصلها إليه الانقلاب والحرب التي أشعلها الانقلابيون.
فجأةً وبعد نصف قرن على انتصار الشعب الجنوبي وثورته المسلحة ضد الاستعمار البريطاني ونيل حريته وبناء دولته الوطنية المستقلة، تذكر هؤلاء أن بريطانيا كانت دولة استعمارية، وفجأةً تذكروا أن لهم روحاً من “الوطنية العالية” و”القومية المفر طة” ليلوموا الجنوبيين أنهم يريدون طي صفحة طويت منذ خمسة عقود ويبحثون عن شريك فاعل يمكن أن تبنى معه مصالح مستقبلية مشتركة.
الاستعمار ظاهرة تنتمي إلى الماضي انتهى عمرها منذ ستة عقود وصدرت قرارات من الأمم المتحدة تقضي بتصفيتها وشكلت لهذا الأمر لجنة سميت” لجنة تصفية الاستعمار” ونص القرار رقم 1415 (XV) في العام 1960م على حق الشعوب في تقرير مصيرها، والدول التي كانت استعمارية تعتبر الاستعمار ماضيا مخجلاـ وبعض الشعوب التي تخلصت من الاستعمار أبقت علاقاتها الودية مع مستعمريها السابقين ولم تناصبهم العداء طوال التاريخ وإلى الأبد، بل وعقدت معهم اتفاقيات تعاون ما تزال سارية حتى اليوم، وما تجربة الكويت وبقية دول الخليج عنا ببعيدة، لكن سيكون من الحمق والغباء المفرط أن يصر البعض على استمرار معاداة بريطانيا وبعد خمسين عاما من خروجها من بلادنا واعترافها بالنظام الوطني الجديد حينها.
بريطانيا دولة عظمى ولديها شراكات مع معظم دول العالم ومنها دول كانت مستعمرات بريطانية ذات يوم كما قلنا، وبالنسبة للشعب الجنوبي الذي أخرج النظام الاستعماري بقوة السلاح وقدم قوافل من الشهداء في سبيل تحقيق الاستقلال، لم يعد هناك ما يبرر مواصلة توتير العلاقة مع بريطانيا، لا بل سيكون من الحكمة البحث عن شراكات متعددة مع هذه الدولة لما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين.
لن أخوض طويلا في تعريف مفهوم الشراكة، لكنني أقول أن بناء هذه الشراكة بالنسبة لشعب الجنوب، ليس إنكاراً لتضحيات شعبنا في سبيل الحرية والاستقلال والسيادة ولا شطباً لثورة ١٤ أكتوبر المجيدة ولا تنكراً لدماء شهدائنا، لكنه إيذانٌ بفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الشعبية والبلدين، لمستقبل يقوم على التعاون والاحترام المتبادل وتبادل المصالح والاستفادة من التجارب الناجحة لدولة عظمى مثل بريطانيا في مجال البناء المؤسسي والقانوني ومنظومة الإدارة الحديثة وتكريس التقدم العلمي والتكنولوجي لصالح رفاهية الشعب.
أما الذين يريدون استمرار مقاطعة بريطانيا لأمور تعود إلى ما قبل ستة عقود فلن يقاطعوا إلا أنفسهم وهم بذلك يبرهنون أنهم لم يستطيعوا مغادرة الماضي ولا يمكن أن يكونوا جزءً من المستقبل.
والله ولي الهداية والتوفيق.
 
من صفحة الكاتب على فيس بوك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى