علوم

ابتكار جديد يمكّن العلماء من تصوير الخلايا الحية “دون تجميد”

سمانيوز / متابعات

منذ ابتكار أقدم المجاهر والميكروسكوبات، سعى العلماء لبناء أجهزة ذات دقة أفضل تتيح تصوير بروتينات الخلايا، وهي جسيمات صغيرة تتحكم في عمل خلايانا الحية وحياتنا.
ولكن لتحقيق النجاح كان على العلماء التغلب على أحد أبرز العقبات، ألا وهو حيود الضوء؛ فالحيود وهو خاصية تصف انعطاف الضوء وتشتته، يحول دون رؤية الجسيمات التي يقل قطرها عن نصف الطول الموجي للضوء المرئي (نحو 200 نانومتر) وهو أكبر بكثير جداً من قطر العديد من الجسيمات الموجودة داخل الخلايا.
ولأكثر من قرن من الزمان جرب العلماء طُرقاً مختلفة لرؤية بروتينات الخلايا باستخدام المجاهر. وفي عام 2014 حصل علماء على جائزة نوبل في الكيمياء لابتكارهم تقنية التجميد العميق، التي تتيح تجاوز إشكالية حيود الضوء عن طريق تسخير جزيئات من الفلورسنت لتصوير ما بداخل الخلايا بصورة شبه دقيقة. لكن استخدام تلك الطريقة في التصوير يستلزم تجهيزات خاصة للغاية، وأدوات عالية التقنية باهظة الثمن، ما يجعلها حكراً على عدد محدود من المعامل حول العالم.

حقبة جديدة

والآن، نحن على أعتاب حقبة جديدة من التصوير المجهري، بعد أن نجح فريق من علماء مختبر بيركلي الأميركي بالتعاون مع كلية فو للهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة كولومبيا في تطوير فئة جديدة من المواد البلورية يُمكن أن تتغلب على حيود الضوء دون استخدام تقنية التجميد العميق، دون الحاجة لأجهزة فائقة الدقة أو عالية التكلفة.
يقول الباحثون في الورقة المنشورة في دورية “نيتشر” إن تلك الطريقة ستعمل على تطوير التصوير الطبي الحيوي عالي الدقة في الوقت الحقيقي. كما ستساعد على رؤية عضيات الخلية وبروتيناتها أثناء عملها داخل الخلايا. وستقوم أيضاً بالمساعدة في تطوير أجهزة استشعار ضوئية فائقة الحساسية تحاكي البنية العصبية للدماغ، وتمهد للكشف عن أسرار كثيرة للجسد البشري.

دقة فائقة

تعمل الفئة الجديدة من المواد البلورية مع كل أنواع المجاهر متحدة البؤرة “وتحولها لمجاهر فائقة الدقة”، كما يقول مؤلف الدراسة الرئيسي بروس كوهين في تصريحات خاصة لـ”الشرق”، مضيفاً أن تلك المادة “ستجعل كل معمل يملك مجهراً بسيطاً قادراً عل إنتاج صورة مُكبرة لعينات عن طريق دمج تقنية المسح الليزرى بالمادة البلورية الجديدة”.
يبلغ قطر الجسيمات البلورية النانوية التي ابتكرها العلماء نحو 25 نانومتر. يقول كوهين إن ذلك القطر “سيتيح لنا تصوير بروتينات الخلايا بدقة وفي الوقت الحقيقي.. هذا يعنى أننا يُمكن أن نشاهد طريقة الخلايا في تصنيع البروتينات وتفاعلها مع بعضها البعض لعمل الوظائف المختلفة الهامة لحياة كافة الكائنات الحية”.

ثورة بحثية

يحتوي اللبّ الداخلي للمادة البلورية على معدن يُسمى “لانثانيد الثوليوم”. يقوم ذلك المعدن بامتصاص الضوء الواقع على العينة، ثم ينبعث الضوء منه على سطح عدسة المجهر دون تشتت أو حيود. 
لكن كيف يُمكن رؤية التفاعلات الخلوية باستخدام تلك التقنية في الوقت الحقيقي؟ يوضح كوهين في تصريحاته لـ”الشرق”: “دعنا نتخيل أن لدينا عينة نُريد تصويرها. نقوم بتسليط الضوء عليها، وهو في تلك الحالة شعاع من الليزر يتألق لإثارة المادة البلورية التي نستخدمها، وبفعل طاقة الليزر تتحرر الفوتونات من تلك المادة، فتزداد شدة الضوء المنبعث منها بمقدار 30 ألف ضعف. ولأن قطر الجسيمات البلورية النانوية أقل من 25 نانومتراً يُمكن رؤية العينات ضمن ذلك القطر، وهو ما يعني إمكانية استخدام هذه الطريقة لرؤية ما يحدث داخل الخلايا”.
ويقول الباحثون إن الدراسة الحالية تفتح على الفور تطبيقات جديدة في الكشف عن فوتونات الأشعة تحت الحمراء فائقة الحساسية، وتحويل ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة إلى طاقات أعلى للتصوير فائق الدقة باستخدام مجاهر ضوئية متحدة البؤر متاحة تجارياً، ودقة محسنة في حالة فن المجاهر الضوئية فائقة الدقة. وهو أمر مذهل سيمكن العلماء من تصوير الظواهر الخلوية، سيكون له عظيم الأثر في الأبحاث الخاصة بالأدوية وبيولوجيا الخلايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى