آراء جنوبيةالجنوب العربي

أ.د. فضل عبدالله الربيعي يكتب عن ظاهرة التنمر في زمن الحرب

 

أ.د. فضل عبدالله الربيعي يكتب عن ظاهرة التنمر في زمن الحرب(قراءة في تفاقم ظاهرة التنمر في زمن الحرب)

انتشرت ظاهرة التنمر أو الاستقواء أو البلطجة في الفترات الأخيرة بصورة ملفتة في الواقع الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، وشملت هذه الظاهرة مختلف الفئات العمرية، إذ اضحى هذا السلوك منتشر في كل المواقع والمؤسسات المختلفة؛ إلاّ انه يمارس بصورة بارز ة بين أوساط الشباب والطلاب في بعض المدارس، وكذلك بعض الجامعات، إذ يقوم بعض الطلبة بالاعتداء على زملاءهم من منطلق القوة أو الاستقواء أو فرض الهيمنة لغايات إظهار البطولة أمام الزملاء على سبيل السيطرة على الآخرين ويعد هذا السلوك ترسيخاً لظاهرة التنمّر.
يحدث التنمر في العديد من الأماكن ويمارس من قبل العديد من الفئات العمرية ، ونراه بشكل يومي تقريبا مثل التنمر الذي يمارس في المدرسة أو الشارع أو الجامعة أو المنزل أو المواقع العامة التي يرتديها الناس، وتقف وراء هذا السلوك عدة أسباب ذاتية وموضوعية، وتتفاقم ظاهرة التنمر اليوم في مجتمعنا بصورة ملحوظه ، بسبب أزمة الحرب الذي يعيشها مجتمعنا منذ ست سنوات، في ظل ضعف أدى مؤسسات التنشئة والضبط الاجتماعي.
يمكن القول ان تأثير التنمر لا يقتصر على الافراد المتنمر عليهم، بل ان التأثير يمد لشمل الوسط الاجتماعي الذي يمارس فيه هذا السلوك والمجتمع بعامة .
مفهوم التنمــر:
يُعرّف التنمر بأنه شكل من أشكال العنف والإساءة والإيذاء الذي يكون موجها من شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص آخر أو مجموعة من أشخاص، ويتم ذلك عن طريق الاعتداء البدني والتحرش العاطفي والرمزي والابتزاز، واتباع أساليب التخويف والترهيب والتهديد بكل اشكاله ، او اقلاق الألقاب السيئة او التشويه بسمعة الآخر.
من جانب اخر يشير مفهوم التنمر إلى عدم تكافؤ القوّة بين شخصين أو بين مجموعة وأخرى. وهو عدم الالتزام والانصياع للقوانين والمثل الاخلاقية والأعراف الاجتماعية والتمرد على التعليمات والتوجيهات الإدارية في مؤسسات العمل، أو عدم طاعة الوالدين في البيت، لهذا يقوم المتنمرون بتصرفاتهم تلك بما يعتقدون انه سلوك مناسب من وجهة نظرهم.
كما يُعرف التنمر بانه تُعرض فرداً ما بشكل متكرر إلى سلوك سلبي من طرف شخص أو أكثر، حيث يكون هذا السلوك متعمدا، ويسبب الضرر والألم للضحية لفظيا أو اجتماعيا أو عاطفيا او نفسيا ولا يكون فيه توازن بين المتنمر والمتنمر عليه.
التنمر في كل مكان:
يمارس السلوك التنمري اليوم بصورة واسعة في المجتمع، إذ لا يقتصر على طلاب المدارس المراهقين فحسب؛ بل يطال جميع الاماكن في الشارع والمؤسسات التعليمية الأخرى كالجامعات والأسواق والمتنفسات العامة ومؤسسات العمل وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وتم بواسطة اتباع عدد من الوسائل المختلفة، كالتنمر الذي يتم بالإنترنت عن طريق استخدام المعلومات ووسائل وتقنيات الاتصالات كالرسائل النصية والصور والفوتوشوب والمقاطع الصوتية والتحرش والابتزاز وغيرها من الأساليب الذي ينتج عنها الحاق الضرر والإساءة بالمتنمر عليهم عن طريق استهداف الآخرين بأعمال عدائية تلحق بهم الضرر والإيذاء المباشر وغير المباشر.
وهناك ما يمكن ان نطلق عليه التنمر العسكري الذي يتم عن طريق استخدام القوة بالسلاح والتهديد ، وإساءة استخدام السلطة لإيذاء الآخرين واصدار عقوبات غير مشروعة عبر استخدام السلطة. يذكر ان مثل هذه الممارسات تزداد في حالات عدم الاستقرار في المجتمع، لاسيما في حالة الحرب الراهنة، الذي أصبح فيه السلاح في متناول الجميع.
أنواع التنمر :
يُقسّم التنمر إلى اربعة أنواع رئيسة هي:
التنمر اللفظي: السب والشتم واللعن أو الوشاية ونشر الإشاعات الكاذبة التي تستهدف الاخرين، أو التهديد، أو التعنيف، أو إعطاء ألقاب ومسميات مسيئة تنتقص من الافراد.
التنمر الجسدي: كالضرب أو الصفع، أو السحب، وقد يستخدم المتنمر أدوات لممارسة ذلك السلوك.
التنمر العاطفي: المضايقة والتهديد والتخويف والإذلال والتشويه، والابتزاز.
التنمر الجنسي: استخدام أسماء جنسية ومناداه الاخرين بها، أو كلمات قذرة، أو اللمس، او تحرش وغيرها.

أنـــواع التنــــــــــــــــــمر
لتقريب الحديث عن التنمر بصورة أكثر وضوحاَ سوف نتعرف عن نمطين من أنماط التنمر وهو التنمر المدرسي، والتنمر العاطفي كمثالين لسلوك التنمر:
أولا: التنمر المدرسي:
التنمر المدرسي هو شكل من أشكال العنف الشائعة الذي يتم بين طلاب المدارس بشكل فردي او جماعي داخل اسوار المدارس ويتمثل ذلك العدوان اللفظي أو البدني، أو نشر الشائعات ، والتعصب ضد الاخرين ، وقد لوضح بعض من أساليب التنمر التي تطال الاعتداء على تهشيم ممتلكات المدرسة، أو الاعتداء على المدرسين وتهديدهم بالسلاح مما ينتج عن ذلك اضرارا تلحق اذا بالأخرين او تشكل ازعاجا لهم .
و قد انتشرت الظاهرة بشكل مخيف في مدارسنا وكلياتنا اليوم لاسيما في ظروف الحرب الحالية ، إذ لم تكن مؤسساتنا تعرف مثل هذه التصرفات في وقت سابق ، وقد ساعدة على ذلك عوامل عديدة لعل أهمها ضعف دور الاسرة والإرشاد والتوجيه المدرسي ، التي تزامنت مع تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، فهناك مظاهر التنمر في المدارس التي وصلت الى حد الاعتداء الذي يطال المعلمين ، والعزل للطلاب من قبل اقرنائهم وتخويفهم والاعتداء عليهم جسديا.

ثانيا: التنمر العاطفي :

يعرف التنمر العاطفي بأنه محاولة يقوم بها شخصا ما بهدف السيطرة على غيره من خلال بعض التصرفات التي تؤذي مشاعر المتنمر عليه. وقد يتعرض الأشخاص للتنمر من قبل أحد أفراد العائلة أو أصدقائه أو من زملائه في العمل.
تحدث حالات كثيرة من هذا النوع من التنمر الذ يحاول البعض ممارسة التنمر على غيرهم ومن الأمثلة على التنمر العاطفي الابتزاز والوشاية عن شخص معين بقسوة من وراء ظهره أو إطلاق الاشاعات الكاذبة عنه في محاولة لتشويه سمعته أمام الناس، وهذا يعد أحد أهم صور التنمر العاطفي – وما اكثر هذا السلوك في مجتمعنا اليوم – وغيره من مظاهر التنمر العاطفي كالشعور بنوع من الترهيب لإجبار البعض على فعل معين وهم لا يجدون ضرورة لفعله، ولا يستطيعون قول كلمة “لا”. وللتوضيح لنفترض أن زوجتك تغضب عندما ترفض أحد طلباتها وينعكس هذا الغضب على البيت والأطفال بشكل يضطرك، لكنك في النهاية ترضخ لهذا الطلب دون اقتناع منك، وإنما منعا لاستمرار الأجواء السلبية في الاسرة. وإذا ما تم ذلك فأنك قد تشعر بأن رأيك لا قيمة له وشيئا فشيئا ستفقد ثقتك بنفسك في هذه الحالة تكون واضع تحت تأثير التنمر عليك.
مثال اخر على التنمر العاطفي وهو الذي يقع تحت عوامل التوقعات غير المنطقية، مثلا قد يكون هناك أشخاصا في حياتك يحملون توقعات عالية لك نظرا لثقتهم الشديدة فيك. هذا الأمر يبدو إيجابيا ومحفزا في معظم الأوقات، لكن عندما تكون تلك التوقعات غير منطقية ومبالغ بها، ومن ثم يكون كل ما تفعل أقل من التوقعات، فاعلم بأنك تتعرض للتنمر العاطفي، وستشعر بأنك عرضة للانتقاد الدائم وستجد بأنك مهزوم من داخلك ومهما بذلت من جهد، فلن تستطيع معادلة التوقعات المطلوبة منك.
ومن ضمن امثلة التنمر العاطفي هو ذلك التنمر الذي يتم عبر هو اللوم ، إذ يعد احدى اشكال التنمر العاطفي ويظهر ذلك من خلال ممارسة التنمر على الغير بلعب دور الضحية أي لوم الآخرين على أخطائه وتعاسته والمصاعب التي تواجهه ، دون أن يتحمل مسؤولياته ويساعد نفسه. وعندما تتكرر هذه التصرفات سوف يجد الفرد نفسه لا إراديا بلوم نفسك والاقتناع بأن تصرفاتك هذه كانت خاطئة، وأنه كان عليه التصرف بطريقة مختلفة. وسينتج عد ذلك تولد شعور التشكيك بكل القيم والأخلاق التي يحملها، ومن ثم عليه إعادة صياغة شخصيته.

أسباب ودوافع التنمر

هناك جملة من الأسباب والعوامل الذاتية والموضوعية التي تقف خلف ظهور وتفاعل هذا السلوك في المجتمع وفي هذه الورقة سوف نحاول التركيز على اهم هذه الأسباب في الاتي:

1.الأسباب النفسية:
تمثل الغرائز والعواطف، والعقد النفسية والإحباط، والقلق والاكتئاب، استعدادات فطرية نفسية جسمية تدفع الفرد إلى ممارسة التنمر على الاخرين او تجاه نفسه، فعندما يكون الفرد مهملا، ولا يجد اهتماما به وبشخصيته، او عدم الاهتمام بقدراته وميوله، فإن ذلك يولد لديه الشعور بالغضب والتوتر والانفعال لوجود عوائق تحول بينه وبين تحقيق أهدافه مما يؤدي ذلك إلى ممارسة سلوك العنف والتنمر، سواء على الآخرين، أو على ذاته لشعوره بأن ذلك يفرغ ضغوطه وتوترات. كما أن الأسرة التي تطلب من الطالب الحصول على مستوى مرتفع من التحصيل الدراسي يفوق قدراته وإمكاناته، قد يؤدي كل ذلك بالنهاية عنده إلى الاكتئاب، وتفريغ هذه الانفعالات من خلال ممارسة سلوك التنمر.

2. الأسباب الاجتماعية:

تتمثل الأسباب الاجتماعية بعدد من العوامل والظروف المحيطة بالبيئة الاجتماعية المتصلة بالأفراد الذين يمارسون التنمر، وهذه الأسباب تتأثر بالأوضاع الأسرية وفي محيطة الاجتماعي، وجماعة الأقران، وبوسائل الإعلام، كما ان معاملة الآباء للأبناء في نطاق الاسرة ما بين العنف والتدليل، فالعنف يولد العنف، اما التدليل المفرط فذلك يودي الى ممارسة سلوك التنمر.

3. الأسباب الشخصية:
هذه الأسباب قد تكون تصرفا طائشا أو سلوكا يصدر عن الفرد عند شعوره بالملل، كما أنه قد يكون السبب في عدم إدراك ممارسي سلوك التنمر وجود خطأ في ممارسة هذا السلوك ضد بعض الأفراد، كما قد يكون سلوك التنمر لدى أطفال آخرين مؤشرا على قلقهم، أو عدم سعادتهم في بيوتهم، أو وقوعهم ضحايا للتنمر في السابق، كما أن الخصائص الانفعالية للضحية مثل الخجل، وبعض المهارات الاجتماعية، وقلة الأصدقاء قد تجعله عرضة للتنمر. أو تعود لأسباب المشاكل في الاسرة وأثرها على الأبناء، كل هذه العوامل قد تكون بيئة خصبة لتوليد العنف والتنمر عند الأبناء.

مجالات التنمـر:
يقسم التنمر إلى مجالين رئيستين هما ( التنمر المباشر الذي يتضمن الضرب والطعن والصفع والعض والخدش وغيرها من الأفعال التي تدل على الاعتداء الجسدي).
والتنمر غير المباشر الذي يتضمن ( تهديد الضحية بالعزل الاجتماعي، والتهديد ونشر الإشاعات، ورفض الملبس والعرق واللون والدين).
التوجه نحو معالجة ظاهرة التنمر
اننا مطالبون اليوم جميعا كل من موقعة ومن مسؤوليته العمل الجاد على مواجهة هذا السلوك المضر اجتماعيا وغير السوي الذي يتعاظم اليوم في مجتمعنا بصورة مخيفة، فالتنمّر سلوك عدواني له مخاطرة على امن واستقرار المجتمع من ناحية ومن ناحية اخرى ان استمرار هذا السلوك ينشئ جيلا غير سوي يحمل جملة من المخاطر الت تواجه مستقبل هذا الجيل. وعليه تقع علينا جميعاً (مؤسسات وأفراد) كامل المسؤولية في مجابهة هذا السلوك عبر إيجاد آليات فاعلة للمساهمة الإجرائية من أجل محاربة هذا السلوك ووقاية المجتمع من مخاطر سلوك التنمر. وبواسطة الاسهام التشاركي الواعي والهادف بما يضع حدًّ لانتشار هذا السلوك ، وعبر رسم سلسلة من برامج التربية والتنشئة المجتمعية تسهم فيها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والتربوية والجامعة في توجيه وإرشاد الشباب والطلاب نحو السلوك القويم ، وقيام حلقات التثقيف العامة عبر إتّباع وسائل وأساليب الوقاية من ممارسة الظاهرة ، فضلا عن تفعيل عملية تطبيق القوانين وفرض العقوبات اللازمة على ممارسي هذا السلوك، وتعميق ثقافة الحوار والتعايش المجتمعي واحترام الآخر، وامتلاك مهارات الاتصال والتواصل ونبذ العنف ، وابتكار أساليب عملية لإيجاد المراقبة المستمرة على سلوك الشباب لاسيما في المواقع الإلكترونية والمواقع العامة.

أ.د. فضل عبدالله الربيعي
أستاذ علم الاجتماع جامعة – عدن
رئيس مركز مدار للدراسات والبحوث
عدن29نوفمبر 2020م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى